سواء كان الأمر يدور حول الجنس أو العنف أو التمييز أو المضايقات على الإنترنت، لا توجد مواضيع محرمة أمام المخرجين الشباب في معهد وسائل الإعلام بمدينة فوبيرتال. الأفلام التي أنتجوها تثير نقاشاً ساخناً في ألمانيا.
الدراسة والحب والموسيقى الحديثة، هذا هو عالم الطالبة ياسمين البالغة من العمر 22 عاماً. وهو عالم فتي ومتنوع ويكتظ بأفكار وانطباعات جديدة، كما أنه في الوقت نفسه يتميز بالارتحال وليس بالنسيان. إلا أن هذا الموضوع الأخير بالذات أثار اهتمام ياسمين. "أردت أن أعرف ما يحدث إذا فقد أناس ذاكرتهم وما هو معنى ذلك بالنسبة إلى أفراد أسرهم"، وخاصة بالنسبة إلى الأسر من أصل تركي. ففي حالات كثيرة تعيش ثلاثة أجيال منها في البيت نفسه. وترعرعت ياسمين نفسها في أسرة ألمانية تركية.
تظهر في فيلم المخرجة ياسمين أيضا هذه النساء اللواتي يمثلن ثلاثة أجيال من أسرة من أصل تركي في فوبيرتال
لذلك يظهر في فيلمها الوثائقي الجديد مسنون مصابون بالخرف صورتهم عند جلوسهم على أرائكهم مع بناتهم في تمارين لغوية تركية لمواجهة النسيان وعند استلقائهم في أسرتهم ممسكين بصور آبائهم ويمسحون عليها بحنان، لأنهم يتعرفون عليهم. تحدثت ياسمين مع أفراد الأسر المعنية عن العناية المنهكة بهم والمخاوف والعداوات المتعلقة بذلك. "هذا الفيلم أثر بي كثيراً"، كما تقول ياسمين. وهو فيلم، كما تضيف، لم يأت أوان إقدامي على إنتاجه إلا بعد إنتاج 25 من الأفلام الأخرى في معهد وسائل الإعلام في مدينة فوبيرتال.
فرصة للشباب
منذ ست سنوات تعمل المخرجة الشابة في ورشة إنتاج أفلام الفيديو الخاصة بالشباب والتي احتفلت هذه الأيام بمرور 20 عاماً على تأسيسها. وأثارت إحدى المدرسات اهتمامها بهذا المشروع. وعليه أنتجت ياسمين بالتعاون مع خمس طالبات أخريات فيلماً درامياً قصيراً حول موضوع الجنس والتوعية به. واليوم تنتج أفلاماً وثائقية خاصة بها وتساعد شباباً في السن ابتداء من الرابعة عشر في إنتاج أفلامهم. وبدأت قبل فترة قصيرة بدراسة في معهد إنتاج الأفلام في مدينة كولونيا الألمانية.
يقوم نائب مدير معهد وسائل الإعلام نوربيرت فاينروفسكي بتدريب شباب على استعمال أجهزة التصويرal
هذا تطور غير عادي، يقول مدير معهد وسائل الإعلام أندرياس فون هيرين معلقاً ويضيف: "فمعظم الشباب الخمسمائة الذين ينتجون هنا كل سنة أكثر من 150 فيلماً تقريباً يفعلون ذلك مرة واحدة أو مرتين فقط"، إذ أن المعهد لا يرى في نفسه مركزاً لتشجيع شباب موهوبين، كما يقول المربي الإعلامي. "نعطي الشباب من خلال الفيلم صوتاً للتعبير عن مواضيعهم، وذلك بأسلوب محترف"، فالأفلام التي تنتج في معهد وسائل الإعلام، تثير في معظم الأحيان اهتمام جمهور كبير.
اهتمام كبير في ألمانيا وخارجها
مناقشة في إحدى دور السينما في فوبيرتال بعد أول عرض لفيلم بعنوان "شاب ومسلم في ألمانيا"
كل شهرين يجري في أكبر دار سينما بفوبيرتال أول عرض لأحدث الأفلام، لتتم بعده مناقشتها. وبعد ذلك يمكن مشاهدة الأفلام على شكل أقراص (دي في دي) في ملتقيات الشباب والمدارس والمراكز الاستشارية. ويمول معهد وسائل الإعلام اعتمادا على بيعها إنتاج جزء كبير من أفلامه، إذ أنها مطلوبة في جميع الدول الناطقة باللغة الألمانية وفي مدارس خارجها أيضاً. "يوضح الشباب في أفلامهم مواقفهم من جميع المواضيع التي يهتمون بها. وهذا وحيد من نوعه تقريباً على الصعيد الدولي"، كما يقول فون هيرين.
سواء كان الأمر يدور حول اندماج الأجانب أو الجنس أو العنف أو التطرف اليميني أو الإدمان أو المضايقات على الإنترنيت، لا توجد مواضيع تعتبر محرمات. إلا أن أندرياس فون هيرين وزملائه من المربين الإعلاميين والمخرجين يصرون على أن تكون الأفلام متباينة، أي أنها توضح وجهات نظر مختلفة وأنها لا تنتهك بطبيعة الحال مبادئ حماية الشباب. جدير بالذكر أن أفلاماً كثيرة حصلت على جوائز، منها سلسلة من الأفلام الوثائقية تحمل عنوان "أهلا بالحرب" وتعود إلى عام 2003. وفيها يعبر شباب ألمان وعراقيون وأمريكيون عن وجهات نظرهم من الحرب على العراق.
موضوع الاندماج المتسم بآنيته المستمرة
شباب يحضرون أول عرض لفيلم من انتاج معهد وسائل الإعلام
أثارت أيضا سلسلة أخرى اهتماماً كبيراً تحمل عنان "شاب ومسلم في ألمانيا". وفيها يتحدث شباب عن حياتهم اليومية كمسلمين ويطرحون أسئلة حول دينهم ويجادلون بعضهم البعض بشأن ارتداء الحجاب ودور الجنسين. "تلعب المواضيع المتعلقة بالاندماج منذ تأسيس معهد وسائل الإعلام دوراً كبيراً"، كما يقول فون هيرين. وهذا ليس مدهشاً، فنسبة 28 بالمائة من مواطني فوبيرتال من أصل أجنبي. إلا أن فيلم ياسمين حول ظاهرة الخرف في أسر من أصل تركي، هو أول فيلم أصدره معهد وسائل الإعلام في لغتين، "إذ أننا نريد إثارة اهتمام الأتراك المسنين أيضاً".
اتضح مدى أهمية الموضوع بالنسبة إلى الأسر من أصل تركي مباشرة أثناء أول عرض للفيلم. "انفجرت امرأة في السينما باكية وقامت فجأة من مقعدها، متوجهة إلى الحاضرين بالقول: ساعدوني من فضلكم، فأنا أيضاً من الذين يتعرضون لذلك"، كما تقول ياسمين ماركشتاين، مشيرة إلى أن هذه اللحظة وحدها توضح فائدة العمل الجبار من أجل إنتاج الفيلم. "أستطيع اعتمادا على أفلامي أن أغير شيئاً. وأفتخر بذلك"، كما تقول الطالبة.