قبل يومين كان قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي واضحاً في إعلانه أن البلاد تخوض حرباً شاملة على الإرهاب، الأمر الذي كان قد سبق قبل أيام قليلة حملة واسعة قامت بها مختلف الأجهزة الأمنية من أجل ملاحقة الخلايا الإرهابية الموجودة في أكثر من منطقة، بعد أن كشف تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية حجم المخطط الذي يراد من خلاله إدخال لبنان في المجهول.
الحرب على الإرهاب هي من أخطر الحروب التي تخوضها أي دولة، وتتطلب التفافاً شعبياً حول الأجهزة الأمنية من أجل مساعدتها على حماية الأمن الوطني، ولكن في ظل الإنقسام السياسي القائم ما هي نسبة النجاح في هذه الحرب؟
الحرب الشاملة
كان لافتاً خروج وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن، بعد الفجير الإرهابي الذي ضرب منطقة الرويس، الى العلن من أجل الإعلان عن معلومات أمنية خطيرة تتعلق ببعض الخلايا العاملة على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد أن واجه الوزير نفسه حملة سياسية واسعة عليه عند كشفه عن معلومات مشابهة قبل أكثر من عام، أي قبل أن تبدأ خلايا هذه المجموعات في عملها التنفيذي.
وفي هذا السياق، يعتبر الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد أمين حطيط أن إعلان الحرب على الإرهاب بشكل واضح من قبل العماد قهوجي كان أمراً لافتاً في خطابه، خلال تكريم الضباط المتقاعدين في الجيش، ويلفت إلى أنه عند تحديد عدو معين من قبل الأجهزة الأمنية يعني أنها سوف تُسخر مختلف الطاقات الممكنة من أجل مواجهته.
ويوضح العميد حطيط، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هذا الأمر سيكون من خلال تفعيل العمل الإستخباراتي من أجل كشف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها، بالإضافة إلى تكثيف الإجراءات القائمة على الأرض من أجل توقيف جميع المطلوبين، ويعتبر أن الجيش لديه الجهوزية العالية من أجل القيام بهذه المهمة.
من جانبه، يؤكد العميد المتقاعد وهبي قاطيشا أن من خلال كلام قائد الجيش يتبين وجود إرادة حاسمة في مواجهة الإرهاب على الساحة اللبنانية، ويشير إلى أن هذا يعني أن المواجهة ستكون قائمة بالإمكانات الموجودة لدى الأجهزة الأمنية المختلفة التي يجب أن ترفع من مستوى التنسيق في ما بينها.
ويوضح العميد قاطيشا، في حديث لـ"النشرة"، أن معظم دول العالم غير قادرة على مواجهة الإرهاب بشكل كامل، لكنه يشدد على أن هذا لا يعني عدم مواجهته بالقدر المستطاع، ويؤكد على صعوبة هذه المعركة التي تخوضها الكثير من الدول الكبرى.
الإنقسام السياسي عامل سلبي
على صعيد متصل، يعتبر الإنقسام السياسي من أخطر العوامل المساعدة على نمو الخلايا الإرهابية، لا سيما الإنقسام القائم في لبنان الذي يأخذ أبعاداً طائفية خطيرة، تساعد على تشكيل بيئة حاضنة لهذه المجموعات بعد أن تؤمن الأسباب الموجبة.
وفي هذا الإطار، يؤكد العميد حطيط أن ما توعد به قهوجي قابل للتنفيذ من خلال الإجراءات التي تقوم بها المؤسسة العسكرية، على الرغم من أن الخطاب السياسي المتطرف غير مساعد على هذا الأمر، ويعتبر أن أي خطاب سياسي تحريضي من قبل أي شخصية عامة هو بمثابة إنفجار أمني، ويرى أن مكان هذه الشخصيات في حال وجود العدالة هو السجن.
من جهة ثانية، يشير العميد حطيط إلى أهمية الأمن الإقليمي في هذه الحرب، لكنه يشدد على أن هذا لا يعني الإستسلام للواقع والقدر في إنتظار أن يعود الإستقرار إلى المحيط، ويؤكد إمكانية خفض سقف المخاوف و تعقيد مهمة المجرمين إلى الحد الذي يجعل مخاطر العمليات الارهابية من الحجم الذي يمكن استيعابه في مرحلة أولى ثم تطوير الجهد إلى الحد الذي يجعل أصحاب المشروع ومنفذيه يدركون عدم جدوى متابعة هذا العمل.
من جانبه، يرى العميد قاطيشا أن الخطاب السياسي لم يعد أساسيا بقدر ما هو رديف أمام العمليات الحربية القائمة، لا سيما في الأراضي السورية، ويعتبر أن هذا الخطاب بات إلى حد بعيد ترجمة عملية لما يجري على أرض الواقع.
ويشدد العميد قاطيشا على أن الإجراءات الأمنية القائمة يجب أن تنفذ على جميع المواطنين، وينتقد غياب الجهاز المركزي الرسمي القادر على ضبط كل الأمور، ويشير إلى أن مؤسسة بات لديها شبكتها الأمنية الخاصة، وإلى أن بعض الأحزاب لديها أجهزتها الأمنية الخاصة التي تتولى القيام بمهمات معينة.
في المحصلة، فرضت الأوضاع الإقليمية على لبنان الدخول في مواجهة شاملة مع الإرهاب، وهي تتطلب في الوقت الراهن إحتضانا شعبيا واسعا لمختلف الأجهزة الأمنية في ظل الإنقسام السياسي القائم، ويستطيع أي مواطن المساعدة في هذه المواجهة من خلال الإبلاغ عن أي أمر مشبوه على الأقل.