من ذكريات المعركة وحصار بيروت سنة 1982
لم تنته الحرب .. بقلم نضال حمد
أوسلو في 20-8-2012
في مثل هذه الأيام من شهر آب - اغسطس 1982 ، أي قبل ثلاثون سنة ، وأثناء حصارنا في بيروت العربية ، أي القسم الذي كان يطلق عليه بيروت الغربية، لأن القسم الذي كان فيه سمير جعجع وكل "الجعجعجية" كان يسمى بيروت الشرقية . وفي شرق العاصمة المحاصرة حيث سيطرة آل الجميل وحلفاء الصهاينة، كان الصهاينة يسرحون ويمرحون وكأنهم في بيوتهم ، وعند أهاليهم، حيث نساء قادة القوات الفاشية اللبنانية، من زوجة بشير الجميل الى زوجات الآخرين .. كُن يقمن باعداد الأطباق المنوعة من المأكولات اللبنانية الشهيّة ، من التبولة والفتوش الى الكبة النيّة ، لشارون وجنرالاته مُحاصري بيروت الغربية. بيروت التي يتحالف هذه الأيام بعض أبناءها مع جعجع وغيره من الذين صنعهم الاحتلال وصعدوا على جماجم وعظام آلاف اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين الذين قاتلوا لأجل طرد الصهاينة والأطلسيين ومن أجل عروبة لبنان.
في مثل هذه الأيام كان سمير جعجع حليف أصحاب الشركات المشبوهة، التي قامت فورا وبعد انسحاب الفلسطينيين بإزالة المتاريس كافة من بيروت الغربية، مما مهد الطريق للجيش الصهيوني وعصابات الانعزاليين من دخول بيروت بسهولة. والمقاوم سمير جعجع الذي يقاوم لتحرير سوريا من عروبتها كما بعض حلفائه الذين استقبلوا قادة الصهاينة في قصورهم إبان حصار بيروت ، صاروا هذه الأيام يريدون تقرير مصير سوريا الكبرى وليس فقط لبنان الصغير.
إن هؤلاء الذين شاركوا الصهاينة في قصف وحصار بيروت سنة 1982 وفي قتل سكانها الأبرياء لا يحق لهم أن يتكلموا بالطهارة وحقوق الإنسان ، ولا أن يكونوا أحرارا.
عندما انسحب المقاتلون الفلسطينيون من بيروت وتوجهوا بحرا الى تونس واليمن والجزائر وسوريا والعراق والبلاد العربية الأخرى، قام أركان القوات الفاشية اللبنانية بقيادة المقبور إلي حبيقة ومعه المقبور سعد حداد وآخرين باجتياح مخيمي صبرا وشاتيلا وارتكاب المجزرة بإشراف شارون نفسه. وذلك طمعا في تحقيق حلم المقبور بشير الجميل في تحويل المخيم الى حديقة للحيوانات كما وعد بشير الجميل في وقت سابق كل من بيغن وشارون.
مارس هؤلاء أثناء المجزرة في المخيمين أعمالا أكثر وحشية من أعمال الحيوانات الضالة والمفترسة. فالحيوانات تقتل لتأكل إن جاعت، لكن هؤلاء كانوا يمارسون هواياتهم في قتل الناس وبطرق شتى. كانوا ومازالوا طبعا بلا ضمائر و بلا محاسبة. لذا من حق أهالي الضحايا ان يرفعوا عليهم دعوات في المحاكم المحلية والدولية. وأن يحتفظوا بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بهم وبالمذبحة لأن الإجرام الوحشي لا يزول بالتقادم. وإن عجز القانون عن محاسبتهم فعلى من يستطيع من أهالي الضحايا أن يعمل لمحاسبتهم.
حضرتني هذه الذكريات وأنا أتصفح اليوم العدد السابع والخمسون من جريدة المعركة اليومية التي أصدرها اتحاد الكتاب العرب والفلسطينيين واللبنانيين أثناء حصار بيروت صيف سنة 1982 . وصدر منها ستون عددا الأول كان في الثاني والعشرين من حزيران - يونيو 1982 والأخير في الثالث والعشرين من شهر أغسطس - آب 1982 . جاء العدد الأول يحمل البيان التالي الصادر عن الكتاب والصحافيين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب من بيروت. هنا مقتطف من البيان :
" المعركة. ولا خيار سوى المعركة .. من متاريس عاصمة الأمل العربي ، بيروت ، من شظايا الأجساد والقذائف ، من ساحة الامتحان الأخير للجدارة بالأرض والحياة والمستقبل ، يعلن الكتاب والصحفيون الفلسطينيون واللبنانيون والعرب أنه لا خيار لنا سوى المعركة. وأن لا لغة للتعامل مع العدو الصهيوني الذي يمثل أحط أشكال العنصرية والصلف ، سوى لغة الدم والرصاص. ".
أين تلك اللغة في هذه الأيام؟ خاصة ان كثير من الكتاب والإعلاميين والصحافيين تحولوا عن هذه اللغة وأصبحوا أدوات لسياسة البترودولار والنفط ، ولتمرير سياسة الاستسلام العربي الجماعي. ولإسقاط عواصم عربية تاريخية ، وللترويج لتدخلات الناتو في شؤوننا العربية وفي استبدال الحكام والأنظمة.وفي قبول الاملاءات الصهيونية الأمريكية. وفي محاولات إيجاد عدو آخر للعرب غير الصهاينة.
أثناء الحصار عمل الكثير من المثقفين والإعلاميين والصحفيين والكتاب والشعراء والأدباء الفلسطينيين واللبنانيين والعرب في جريدة المعركة، وهناك منهم من استشهد في ساحات القتال والمواجهة مع الصهاينة وأعوانهم الفاشيين اللبنانيين. من هؤلاء الشهيدة الإعلامية ، المذيعة اللبنانية "نعم فارس" التي كانت تعمل مراسلة لصوت فلسطين من خطوط المواجهة الأمامية. كما استشهد الشاعر الفلسطيني علي فودة رئيس تحرير جريدة رصيف81 التي كانت تصدر أيضا أثناء الحصار وكان علي حين استشهد يقوم بتوزيعها على المقاتلين في الخطوط الأمامية. استشهد صاحب كلمات "إني اخترتك يا وطني حبا وطواعية ، سرا وعلانية " التي انشدها الفنان الملتزم مارسيل خليفة.. استشهد علي فودة وهو يتأبط رشاشه وجريدته . كما كان استشهد في بداية الغزو الصهيوني للبنان وفي بيروت الأسير المحرر سمير درويش ابن عم الشاعر الراحل محمود درويش، ورئيس تحرير النسخة الانجليزية من مجلة الى الأمام . وفي بيروت انتحر أيضا الشاعر اللبناني خليل حاوي احتجاجا على استباحة لبنان وحصار عاصمته وصمت العرب من المحيط الى الخليج. والراحل حاوي هو صاحب قصيدة "الجسر" الرائعة التي غناها أيضا الفنان مارسيل خليفة. وجاء فيها :
يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافًا
أَضلُعي امتَدَّتْ لَهُم جِسْرًا وطيدْ
مِن كُهوفِ الشرقِ, مِن مُستنْقعِ الشَرقِ
إِلى الشَّرقِ الجديدْ
أَضْلُعي امْتَدَّتْ لَهُم جِسرًا وطيدْ
العدد الستون الذي صدر يوم 23آب - أغسطس 1982 كان آخر أعداد جريدة المعركة ، وحمل العنوان الرئيسي التالي : "إلى أن نلتقي في معارك أخرى ثورة حتى النصر والتحرير والعودة." . يوم صدر هذا العدد كانت غالبية القوات الفدائية الفلسطينية قد أبحرت عن بيروت ولم يبق منها إلا مجموعات قليلة كانت تنتظر الإبحار الى اليمن وبلاد عربية أخرى.
في الختام لا بد من ذكر أنني وكشاب فدائي حديث السن وحديث العهد بالكتابة كان لي مشاركتين في جريدة المعركة ، الأولى كتبت بتاريخ العاشر من تموز - يوليو 1982 ، ونشرت في العدد التاسع عشر بتاريخ 13-7-1982 ، وكانت بعنوان " رسالة من مقاتل " وبتوقيع " حمرا " اسم مستعار كنت اكتب به. والثانية نشرت بعد الأولى بوقت قصير وبعنوان " الحنين".
المعركة لم تنته ومازالت مستمرة وصارت معارك على جبهات عديدة. لذا على كل المؤمنين بالمقاومة وبالعروبة أن يستنفروا قواهم ليدافعوا عن معاقل المقاومة والعروبة. وليستمروا نحو تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة من الاحتلال وكل من يخدم الاحتلال.
الملف الكامل لجريدة المعركة على الرابط هنا
http://www.safsaf.org/almaraka_1982/al_maraka.htm
العودة الى الصفحة الرئيسية
safsaf.org - 20-08-2012
|