لا يدع الناطقون الحمساويون فرصة للكلام، تفوتهم، دون التأكيد على أنهم صنعوا سلطة الأمن والأمان والشفافية والعدالة. وربما يكون ضعف ثقافة الدولة، هو الذي أنساهم ضرورة التواضع في التصريحات تنبهاً لحقيقة وضوح السمات البذيئة لحكمهم أمام الناس جميعاً. ففي غزة، نشأت السلطة الوحيدة في المنطقة أو حتى في العالم، التي لا يستطيع معها مواطن اللجوء للقضاء، لكي يرفع عن نفسه حظر السفر، أو لكي يقاضي الحكومة على قرار جائر بحقه، أو على إهانة تعرض لها في المحتجزات والمخافر. فالمواطن مستباح في كرامته وفي ماله وفي حرية تعبيره وفي حرية التنقل، وفي كل ما توافقت عليه الإنسانية، باعتباره حقوقاً أساسية للمواطن!
على الرغم من سمات هذا الحكم، لا تكف الأبواق الحمساوية المدعية بالأمن والأمان، بصوت أشبه بأصوات «الأكزوزتات» أو «الشكمانات» المخرومة، عن الكذب، ولا تمل هذه الأصوات القبيحة من تكرار مزاعمها!
خمس سنين، من رضوخ الناس في غزة، وفي مقدمتها القوى السياسية، بينما حال الطوارئ قائمة على نحو أعتى من حالات الطوارئ في الأنظمة الدكتاتورية. ففي هذه الأخيرة، يمكن للمواطن أن يرفع دعوى قضائية انصافاً لحقوقه ولكرامته ولحقه في الاعتقاد وفي الانتماء السياسي. لكن حكومة «حماس» في غزة، اتخذت من منتسبي حركة التحرر الوطني المعاصرة، مادة لممارسة القهر والإهانة والاستدعاءات على الطريقة الإسرائيلية، كلما اقتضى أمرها واقتضت هواجسها ذلك. ولفرط غباء هذه الحكومة، لم يخطر في بالها، أنها تراكم عناصر شطبها من ضمير المجتمع، بمثل هذه الممارسات وسواها، حتى بات لا مستقبل لها. فإن كان الحمساويون قد غلبوا في جولة بسبب ترهل الطرف الآخر وأخطائه، وبشفاعة المقاومة، فإن الأيام أثبتت أن الطرف المغلوب في تلك الجولة، لم يكن يخون أو يضحي بمقاومة فعالة ومنتصرة، عندما اختار طريق البناء الديمقراطي وبلوغ موقع متقدم في التأثير السياسي الدولي، في سياق النضال من أجل الحقوق. فهو قرر أن يتلافى جولات اشتباك بالنيران، تكون نتائجها عشرات الشهداء دون أي قتيل إسرائيلي واحد، ثم يتوسل التهدئة، وإن حصل عليها يكاد يسميها فرقاناً!
المقاومة باتت ممنوعة من غزة، والحكم «الإسلاموي» فيها، أصبح علامة مسجلة للاستبداد والقهر والفساد واتساع نادي المليونيرات، واعتصار المجتمع وممارسة كل أنواع الإقصاء والبذخ والغرور، واحتقار العدالة والقانون والحقوق الإنسانية للناس!
في هذا الإطار يجري تطيير الرسائل بالأسلوب الغليظ والبذيء، وهو اعتقال كوادر حركتنا الوطنية، دون أن يخالف أيٌ منهم القانون أو أن يمس الأمن أو أن يجر على شعبه الأذى. ومن هم الذين يعتقلون الكوادر؟ إنهم السبب في تدمير غزة ثم في محنتها، وفي عزلها عن الإطار الجغرافي لمشروع التحقق الوطني. إن هؤلاء هم حراس الزمن الأغبر، الساعون الى أمن وأمان حكمهم الخارج عن أعراف تاريخ الفلسطينيين وأخلاقهم وروح تضامنهم!