تاملات في الوضع السوري
بسام صالح
تتضاعف التاملات في الاونة الاخيرة عند التعليق على ما يحدث في سوريا، هو بالتاكيد علامة على ان الوضع اصبح اكثر تعقيدا على الارض، واصبح من الصعب على المراقبين فهم ما يجري في منطقة الشرق الاوسط وحوض المتوسط بالتحديد.
ارتفاع حدة الاوضاع في سوريا خلال الايام القليلة الماضية، يدفع الجميع للشك بان هناك اي رغبة حقيقية للتوصل لحل سياسي للازمة السورية، بل يبدو ان هناك من يرغب، ولاسباب تتعلق بمصالح جيوسياسية متعددة، الابقاء حالة اللاحرب واللاسلم، واستمرار حالة عدم الاستقرار لانهاك النظام واستنفاذ قواه كي يرضخ ان بقي في سدة الحكم ليصبح عرابا لسوريا الجديدة المقسمة طوائفا واعراقا وتحت السيطرة والنفوذ الخارجي.
ويبدو ان المشروع الامريكي الصهيوني القطري التركي الحقيقي يصب باتجاه لبننة سوريا او بلقنتها، مع كل ما سينتج عن ذلك من اثار سلبية على مشهد الشرق الاوسط، بعد اخراج سوريا الوطنية منه، وتحويل سوريا الى دولة او محميات خاضعة مهمتها حفظ خطوط الامداد وضمان امن دولة اسرائيل، وربما اخراج روسيا الحليف الكبير للرئيس الاسد، او ارضائه بالاحتفاظ بقاعدة طرطوس العسكرية البحرية حفاظا على ماء الوجه ولعدم الدخول بصراع جديد مع موسكو.
العدوان الاسرائيلي الاخير على جرمانا،بادعآته الكاذبة وتصريحات الرئيس الامريكي اوبامبا قبيل العدوان بايام قليلة حيث اتهم النظام السوري باستعمال الاسلحة الكيماوية واعتبارها خط احمر كانت مؤشرا لبدء تنفيذ عملي واجرامي للتدخل العسكري في الشان السوري الداخلي، على غرار ما حدث في العراق. ولكن الحقيقة التي كشفت اكاذيب الرئيس الامريكي جاءت سريعة بما صرحت به السيدة كارلا ديل بونتي مندوبة الامم المتحدة في لجنة تقصي حقائق استعمال السلاح الكيماوي بان من استعملها هم المجموعات المسلحة المناهضة للنظام السوري وانهم استعملوا غاز السارين اضافة الى ما يقمون به من عمليات ارهابية. جاءت هذه الكلمات ضربات مؤلمة لكل داعمي مجموعات المرتزقة الناشطة في سوريا. ولم يحظى هذا التصريح بالضجيج الاعلامي الذي يستحق كونه يتعارض مع المخطط التضليلي العام للمنطقة والذي تشرف عليه واشنطن وتموله قطر وتنفذه مجموعات المرتزقة المسلحة في سوريا.
هذه بعض العناصر الخارجية التي التأمت بمختلف نواياها ومقاصدها سواء بشكل مباشر او بالانابة، مما جعل الوضع في سوريا اكثر تعقيدا واكثر بعدا عما يريده الشعب السوري، من عملية اصلاح سياسي واجتماعي ، وتحولت سوريا الى ملتقى تتضارب فيه مصالح اقليمية ودولية متعددة ومركزا لمجموعات ارهابية قادمة من الخارج وبجنسيات مختلفة، تخشى واشنطن والغرب من نفوذها وانتمائها وقدرتها العسكرية وامكانية انتقالها من بلد الى اخر.
هذا الوضع انعكس بالكامل على سلبا على المصالحة الداخلية السورية وعلى اي امكانية لحل سياسي،بل اننا نستطيع القول انه بدل الحديث والعمل على الدفع باتجاه المصالحة الوطنية يجري العمل والحديث من عسكرة الى مزيد من العسكرة ومزيدا من التدخل الامبريالي الجيد وحلفائه الاوروبيين وبلدان البترو دولار، مما ساهم بشكل فعلي بابعاد اي عملية حوار بين الاطراف السورية للوصول الى سلام اجتماعي وتسوية التناقضات الداخلية بالطرق السلمية وبدون اي تدخل خارجي.
العدوان الاسرائيلي السافر على سوريا الدولة الجزء الهام من الوطن العربي، لم يعد كافيا ادانته بالبيانات المنافقة الروتينية، بل يحتاج الى اعادة صياغة للنظام السياسي العربي بمجمله خاصة في هذه المرحلة الرديئة في تاريخ الامة العربية والاسلامية، اننا بحاجة لتلك القوى الوطنية والقومية التقدمية ان تتحمل مسؤولياتها التاريخية في العمل لوقف هذا التدهور وهذا التشرذم وطرح برنامج عربي تقدمي بعيدا عن هذه الانظمة المرتبطة بالامبريالية العالمية وعلى راسها الولايات المتحدة حامية الصهيونية وربيبتها اسرائيل.
صحيح ان واقعنا العربي الرسمي الاني هو في اسؤ محطات الانحطاط، ولكن الواقع الشعبي يعكس الطموحات الحقيقية التي يصبو اليها الاغلبية من شعوبنا العربية التي تناشد الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية. وتضع القضية المركزية في موقعها الصحيح وتعيد طبيعة الصراع بين الامة العربية والحركة الصهيونية الى مجراه الصحيح ولا يقبل بما تقدمت به جامعة الدول العربية من تنازلات عن مبادرتها للسلام متنازلة عن حق اللاجئين الفلسطينين بالعودة الى ديارهم وممتلكاتهم.