أعمل لأعيش فاقدا طفولتي
نابلس 12-3-2013 وفا- لورين زيداني
في أزقة بلدة نابلس القديمة، يعيش عبد الفتاح حبيبة (12 عاما) الابن الأكبر بين ثلاثة إخوة مع والدته؛ في غرفة صغيرة تغص عليهم بجدرانها العفنة المتهالكة وضيق عيشها.
حاصرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية عبد الفتاح، ووضعته في مقام يكبر سنه بمراحل، فاضطر إلى العمل ليسد حاجة أسرته.
تقول قمر حبيبة والدة عبد الفتاح: ' قبل سنة ونصف، والد عبد الفتاح هو الذي دفعه للعمل، عندما انفصلت عنه لسوء ما لقيته منه، إلا أنني الآن أجد نفسي مضطرة لإرسال ابني للعمل، فأنا لا أستطيع توفير القوت لأطفالي، ولا أملك ما يكفيهم ويلبي حاجاتهم. لقد كشفت حاجتي وطلبتها مرارا، لكن لا وزارة الشؤون ولا غيرها سمعت صوتي'.
بعد أن يراجع عبد الفتاح مع والدته دروسه ويحل الفروض المدرسية، تودعه أمه من نافذة البيت الصغير، وتؤكد عليه الاهتمام بنفسه، ليتوجه إلى شوارع نابلس بعد أن يشتري علبة العلكة، فيجوب المدينة معترضا طريق المارة على تنوعهم، لعل أحدهم يشتري منه، ويحصل على مبلغ لا يزيد عن ثلاثين شيكلا في اليوم الواحد.
بكثير من العزم والإصرار يؤكد عبد الفتاح على ضرورة عمله ليصرف على أمه وأخويه، رغم عدم سهولة عمله لما يتعرض له من رفض الناس وصراخهم في وجهه، وأثناء حديثنا معه رسم لنا أحلامه الصغيرة في بيت أكبر وأجمل، وغرفة خاصة تملؤها ألعابه وأغراض أخرى تخصه.
بعيداً عن أجواء حياته القاسية، عاش عبد الفتاح ثلاثة أيام من المرح والفائدة، من خلال مشاركته في دورة 'حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي'، بتنظيم من الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، مع حوالي ثلاثين طفلا البعض منهم عاشوا تجربة العمل سابقا.
من هم العمال الأطفال، وما الظروف التي تدفعهم للعمل والعوامل الاجتماعية والنفسية المؤثرة فيهم؛ كانت أبرز محاور الدورة التي تعتبر جزءا من فعاليات الحركة في حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، إضافة إلى تخصيص يوم الطفل الفلسطيني الموافق الخامس من نيسان (أبريل) القادم في نفس المجال.
يقول مدير برنامج الحماية والمدرب في الدورة رياض عرار: 'الدورة تسلط الضوء على موضوع تشغيل الأطفال، وواقعهم بشكل عام، والظروف التي يعيشونها في الأرض المحتلة'.
الطفل بشار يعقوب من الخليل يؤكد أنه تعلم أشياء جديدة عن حقوق الطفل وحمايته، وعن ، ووجوب عدم عمل الأطفال تحت سن الخامسة عشر ومنع تسربهم من المدارس.
أما الطفلة سماح برويش، فأشارت إلى استفادتها من المعلومات الخاصة التي تلقتها في الدورة عن دوافع توجه الأطفال لسوق العمل، ومنها الأكاديمية والاقتصادية والاجتماعية، وأضافت: 'اتضح لنا أن هناك جهات مسؤولة مقصرة في مكافحة هذه الظاهرة، لعدم إيلاءها الاهتمام الكافي.
ورغم أن قانون العمل الفلسطيني يمنع عمل الأطفال دون سن الخامسة عشر، إلا أن أحدث إحصاءات وزارة العمل بينت أن عدد الأطفال العاملين في هذه الفئة يزيد عن ستين ألف طفل في الأراضي الفلسطينية، تدفعهم عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية، إلى خوض غمار تجربة تعرضهم للاستغلال والضرر الجسيم.
الخليل 6-3-2013 وفا- حمزة الحطاب
|
|
امتزج القديم والجديد، في لوحة ربما غابت عن باقي البلدات في محافظة الخليل، وتداخل الوردي القاتم مع الوردي الفاتح المنعكس من حجارة شيّدت قبل مئات السنين، وشكلت أبنيتها القديمة النواة الاولى لبلدة الظاهرية، الضاربة بالقدم، فمئات المباني المتراصة بأقواسها وقبابها وحجارتها، عادت لها الحياة، بعدما غيبت عنها لسنوات عديدة.
المهندسة سهاد رباع من بلدية الظاهرية، توضح أن البلدة القديمة في الظاهرية تشكل ما نسبته 3% من الموروث المعماري التراثي على مستوى فلسطين، وهي تضم مبان قائمة بحاجة لأعمال ترميم وتأهيل، وتضيف: 'ما يميز البلدة القديمة في الظاهرية أنها ما زالت تحتفظ بشكلها العام للقرية، كنواة للمنطقة الأولى التي سكنها الناس، وتواجدت فيها العائلات الممتدة. وما يميز موضوع البلدة القديمة في الظاهرية بأنها قابلة لأن تكون جزءا من مركز البلدة، وجزءا من الحركة التجارية والاجتماعية فيها، بمعنى أنها منطقة سكنية قابلة بعد الترميم لإعادة الانتشار والسكن فيها والهجرة إليها، وكذلك منطقة تجارية يوجد فيها سوق تجاري. نأمل كبلدية من خلال المشاريع الحالية إعادة استخدامه وإحياءه على نمط الكثير من الاسواق التجارية الموجودة في بعض المدن الفلسطينية'.
وتبيّن المهندسة رباع أن البلدة القديمة أصبحت مقصداً للعديد من المؤسسات الحكومية والأهلية، كالجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة والبيئة والصحة، وجمعيات العمل التطوعي، والشركات الخاصة، ومكاتب الهندسة والمحاماة، وإذاعة الظاهرية المحلية، وقريباً ستفتح وزارة الداخلية مقرا جديداً لها، وتقول: 'البلدة القديمة أصبحت عامرة، ونأمل أن تزداد هجرة السكان إليها، لأنها جزء يحاكي الواقع الذي كان يحياه الأجداد في المدينة'.
إذاعة الظاهرية فتحت هي الأخرى مقرها في مبنى قديم بقلب البلدة القديمة منذ سبعة شهور؛ في مسعى لإحياء المكان، ويقول المذيع فؤاد جبارين: 'بجهود الأهالي والبلدية ومؤسسة رواق للإعمار، تم ترميم العديد من مباني البلدة، وتم جمع المؤسسات للتواجد فيها. إذاعتنا أصبحت نقطة البداية لتواجد المؤسسات في البلدة القديمة للظاهرية، ونحن بحمد الله نجد هذه الخطوة ريادية ورائعة لأحياء البلدة القديمة'.
البلدة القديمة في الظاهرية بمنازلها الـ972؛ ما زال أمامها الكثير من الخطوات في طريق الإعمار والترميم، لتحظى كل مبانيها بما تحتاج من بث للحياة، لتصبح مأهولة بالسكان كما كانت في السابق.
يقول مدير بلدية الظاهرية عزمي رضوان: ' بدأنا بأول مشروع عام 2004، وشكلنا لجنة للترميم من ذلك الوقت، وكانت فكرة الترميم في حينها مستهجنة من قبل جميع الأهالي، على اعتبار ان هذه المباني لا تصلح ولا يمكن الاستفادة منها، ولكن بعد ترميم أول مبنى ويحمل اسم 'الخوخة'؛ انقلبت الآية، وبات المعظم على قناعة بقيمة مبانيهم القديمة وإمكانية الاستفادة منها. اصطدمنا بادئ الأمر بمعضلة إقناع الأهالي بإعادة الإعمار، والآن أصبح المواطنون يلجأون لنا من أجل ترميم مبانيهم'.
يغيب عن موازنة مديرية السياحة والآثار في الخليل بند الترميم، لذلك يقتصر دورها على مراقبة الأماكن التاريخية وحمايتها من الهدم، أو التخريب، أو طمس المعالم، أو النقل أو البيع.
ويضيف مدير المديرية محمد صبارنة: 'في بلدة الظاهرية كان لنا دور في الإشراف على عمليات الترميم، والتأكد من أنها ضمن المواصفات المعمول بها والمتبعة. عملنا يتركز على المواقع الأثرية أكثر من المواقع التراثية مع عدم إهمالها أو التقاعس في حمايتها. نقوم من خلال شرطة السياحة والآثار وبالتعاون مع البلديات والمؤسسات المختلفة؛ بالحفاظ على هذه المباني، ولكن هناك العديد من الصعوبات، أهمها تعدد الملكية لهذه المباني التراثية، وفقدان عامل الوعي من بعض الناس بقيمتها، فضلا عن لامبالاة البعض ممن قاموا بهدم منشآت تعود لمئات السنين'.
ميشيل سلامة من مؤسسة رواق يؤكد أن اختيار البلدات في عمليات الترميم يتم بعد طلب من المجلس البلدي للبلدة نفسها، وبناء على ذلك تم اختيار الظاهرية، التي تتميز بمبان تراثية ضخمة، كمبنى الحصن الروماني، فضلاً عن وقوع البلدة القديمة على تجاويف صخرية ' مُغَر'.
ويضيف سلامة: 'نفذنا عدد من المشاريع في الظاهرية، وكان أولها ترميم مركز الخدمات، الذي يستخدم جزء منه حالياً من قبل المحكمة الشرعية. عام 2007 رممنا المدرسة الابتدائية والتي تحولت لمنشأة خاصة لشركة الكهرباء، وبعد ذلك بعام باشرنا العمل في الجزء الثاني من مركز الخدمات، ويحتوي حاليا على مصلى ومطعم وعدد من المراكز والأبنية المؤهلة لمختلف الاستخدامات. عام 2009 تابعنا الأعمال في مبنى المدرسة، وهو يضم اليوم مكاتب هندسية وساحة كبيرة متعددة الاستخدامات منها إقامة المهرجانات والفعاليات. في العام التالي قمنا بترميم مبنى الحصن، وهو مبنى أثري روماني مستخدم حالياً كمتحف. بعد ذلك قمنا بترميم نُزُل لاستيعاب السياح سواء من داخل فلسطين أو خارجها، وحالياً سنقوم بترميم السوق التجاري'.
الميراث المعماري للبلدة القديمة في الظاهرية، ما زال بحاجة لجهود حثيثة تقودها البلدية مع مؤسسات شريكة لتغدوا لوحة تراثية معمارية مقصد للسياح.
|
|