مذكرة التفاهم الأمني … أبعاد ومعاني
للكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني
اشرف عبد الرحمن
ابو سامر
قبيل مغادرتها مقر وزارة الخارجية الامريكية، وقعت كونداليزا رايس إتفاقاً أمنياً مع وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيفي ليفني بغرض "مراقبة الانفاق ومنع تهريب الاسلحة إلى قطاع غزة" في سباق حثيث مع الزمن للبحث عن مخرج مشرّف ينقذ الكيان من الغرق عميقاً في المستنقع الفلسطيني بعدما ثبت للقاصي والداني إستحالة كسر إرادة المقاومة وتركيع الشعب الفلسطيني والقفز عن تداعيات حركة الاحتجاج الشعبية العالمية أو تجاوز مفاعيل التحولات في بعض المواقف السياسية تجاه الكيان الصهيوني الذي يعيش هذه الأيام تحت وطاة الانقسامات والخلافات لدى أوساط سياسية وأمنية وعسكرية صهيونية تجاه العدوان على الشعب الفلسطيني. فالإستطلاعات الأخيرة دلّلت على التشكيك بجدوى العدوان على غزة متخوفة من الإرتدادات والإرتجاجات الناجمة عن مفاعيل الفشل الساحق في تحقيق الأهداف العدوانية المعلن منها والمستور. فقد تراجعت نسبة التأييد للعدوان على غزة من 90٪ الى أقل من 40٪، ومدلولات ذلك تعكس عدم الثقة بقدرة قادة الكيان الصهيوني على تغيير الوضع القائم في القطاع.
إن مسارعة تسيفي ليفني السفر الى واشنطن للإستنجاد بنظيرتها الأمريكية يعكس إصراراً صهيونياً على مواصلة العدوان بأشكاله المختلفة واستثماره لاحقاً لفرض منظومة أمنية على كل دول منطقة الشرق الأوسط بمشاركة حلف الناتو وبعض أدواتهم من عرب النفط. وهذا ما يفسّر إطلاق العنان للماكينة الإعلامية الضخمة لتسويق فكرة "الترسانة العسكرية في قطاع غزة" بهدف تحشيد الدعم الدولي للإتفاق الأمني الأمريكي الصهيوني من أجل إخضاع المنطقة بأكملها لمنظومة إستخباراتية أمنية يستتبعها بعد ذلك وجود عسكري غربي مباشر في المياه الإقليمية والبر الإقليمي لدول المنطقة لضمان حماية أمن الكيان الصهيوني الذي يميل قادته في هذه الأوقات الى اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار من جانب واحد لإيهام الرأي العام العالمي بأن زمام المبادرة بأيديهم والهروب من مفاوضات تفضي للإعتراف بشرعية المقاومة الفلسطينية، رافضين الإقرار بالهزيمة الساحقة التي مُنيت بها قوات الجيش الصهيوني طيلة 25 يوماً من تدمير كل ما يتحرك على أرض المعركة.
هذا الإنكشاف الخطير لأهداف العدوان إضافة الى عوامل أخرى كانت وراء التحرك التكتيكي في الموقف المصري الرسمي الذي بات يستشعر خطراً محدقاً لن يرحم كيانه ولن يرحم غيره من العرب أيضاً. لذلك سارع النظام المصري بمناورة سياسية خبيثة للإلتفاف على الإنتصار الفلسطيني الناجز وإفراغه من مضمونه الثوري الذي سيترك آثاره الإيجابية في تعميم ثقافة المقاومة وفعاليتها في المستقبل القريب. لذلك أعاد الروح مجدداً لمبادرته التي تجاوزتها نتائج العدوان.
إن أدواراً مهمة تنتظر عرب أميركا للمساهمة في محاصرة مفاعيل الإنتصار الفلسطيني في إشارة واضحة منهم للسيد اوباما بأنهم يقفون معه في محاربة الإرهاب الدولي. وهذا يعني أن ما يدور في الكواليس يشير الى أن التعاطي مع قطاع غزة ككيان إرهابي سيبقى بنداً مهماً على جدول الأعمال ما لم يتم لجم فصائل المقاومة ومنعها من التسلح بشتى الطرق والأساليب. لكن ما لا يفهمه ولن يفهمه أطراف المعسكر المعادي أن الأمور تغيرت كثيراً منذ الإنتصارات التاريخية في لبنان عام 2002 وعام 2006، وأن المقاومة أصبحت الرقم الأصعب ولها الدور المؤثر في المعادلات السياسية في شتى المجالات.
فهل سيبقى المراهنون على مراهناتهم فيخسرون النفس والرهان معاً؟ أم ينضمون الى قافلة التغيير التي بدأت تهب على المنطقة استجابة لشروط المقاومين والمجاهدين والشرفاء في هذه الأمة؟
الأيام حبلى بالمفاجآت وعلى الجميع الإتعاظ...
اشرف عبد الرحمن"ابو سامر"
16/1/2009