الديمقراطية خيار فتح الوحيد لإعادة بناء وهيكلة الحركة
قرارات اللجنة المركزية قرارات تاريخية
وليست حبراً على ورق
وحدة أطر الحركة ساهمت في نجاح اجتماع المركزية ولا خيار سوى الوحدة
رحلة الطفولة هي التي شكلت عبدالله الافرنجي
فتح تفتح قلبها لتحتضن الجميع
رحلة العمر رافقه فيها / سري القدوة وأحمد اليازجي
لوقائع الحديث مع الأخ عبدالله الإفرنجي "أبو بشار" تأثير متميز لمسناه من خلال دفء اللقاء والمحبة والصراحة التي سادت جلستنا المطولة معه ، وسرعان ما فتح الإفرنجي قلبه وذكرياته متنقلا بين رحلة الطفولة وذكريات الماضي وحكاية وطن عاش بين ضلوعه ووجدانه .
لقد كانت تسلسل الأسئلة في لقاءنا مع الإفرنجي علامات واضحة وكبيرة لمراحل المستقبل الذي سرعان ما تجاوب معنا .
هذا الرجل المناضل العنيد .. ابن الفتح الذي ترعرع في عائلة مناضلة ، تركت ذكرى استشهاد عمه الأثر الكبير في حلم طفولته ليبحث عن الحرية والعيش بكرامة وعزة وكبرياء ، وما كان من تنكيل وممارسات للاحتلال الإسرائيلي بتشريد أسرته وأبناء شعبه والشهداء هي صور عاشت في ذاكرته ولا تزال هذه الصور هي التي تدفع الإفرنجي بالتمترس في خندق المواجهة الأول للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
كان الإفرنجي سفير فلسطين المتنقل عبر العالم ، ألف العديد من الكتب والدراسات الخاصة بالقضية الفلسطينية ومن أبرزها كتاب بعنوان "فلسطين بين الماضي والحاضر" ، والذي ترجم إلى عدة لغات ، وتزوج من فتاة ألمانية أحبها وكانت رفيقة دربه وأنجب منها طفلان بشار ومنى . وعمل على تجنيد الرعيل الأول للحركة في ألمانيا ، كما أنتخب رئيسا لاتحاد الطلبة في ألمانيا والنمسا هناك ليكبر الحلم وتكبر الدبلوماسية الفلسطينية يوماً بعد يوم ليسمع العالم صوت فلسطين المشرد .
تلمسنا الفرح والحزن معاً في عيون أبي بشار وهو يتحدث عن فترة اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، الحزن لأنه وقع أسيراً والفرح لأنه تمكن من الوصول إلى أرض الضفة وتحقق حلمه
لوقائع بدايات مشوار وطريق النضال للأخ عبدالله الإفرنجي ذكريات .. وهذه الذكريات سجلها بدقة وموضوعية لأنها لم تعد ملكاً له كما قال ، بل هي ملكاً لأبناء حركة فتح.
قال الإفرنجي أن الأخ خالد الحسن "أبو السعيد" يحترمه أشد الاحترام وهو لم يكن مفكراً فلسطينياً فحسب ، بل كان مفكراً ومبدعاً عربياً ، أما الشهيد أبو جهاد فشكل نقطة الانطلاق الأولى لمشوار أبو بشار النضالي ، وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات الأب الكبير الذي احترمه الإفرنجي ورافقه في رحلتين ، رحلة العودة ، والعودة لأرض الوطن شهيداً .
الأخ عبد الله الإفرنجي مناضل.. فتحاوي عنيد .. عاش حياته مكافحا من أجل فلسطين .. ارتبط اسمه في ميدان العمل الدبلوماسي حاملا فلسطين في وجدانه متنقلاً في أيام الغربة ليرسم اسم فلسطين عاليا فكان خير السفير وخير الإنسان الذي ناضل ويناضل من أجل وطنه ورفع معاناة شعبه ، ليعلو الصوت الفلسطيني ويصل للجميع ..
- رحلة فتح للأخ عبدالله الإفرنجي رحلة طويلة .. متى بدأت وكيف كانت تجربتك والذاكرة النهاية .. هل لنا أن نعود معك إلى بداية المشوار الوطني مع رحلة الكفاح من أجل الحرية والحياة ؟
رحلة الطفولة
الطفولة بدأت في بئر السبع ، وكان عمي عبد ربه من المناضلين واستشهد عام 48 على مشارف غزة مع مجموعة من ثمانية أبطال بقيادة مدحت الوحيدي، وكنت محبباً لعمي وعلاقته كانت مميزة معي، فكان استشهاده بالنسبة لي شيء مفجع جدا ولم افهم آنذاك ما هو مرافق لعملية الاستشهاد حيث كان عمري اقل من خمس سنوات.
ووالدي رحمه الله كان من قيادات ثورة 39 وأصيب إصابات بالغة بقيت الإصابات في جسده حتى توفي عام 1987 ، وللأسف لم استطع المشاركة في جنازته .
في عام 1948 لجأنا إلى قطاع غزة وتنقلنا في السكن حيث نصبنا خيمنا في البداية في منطقة جحر الديك ومنها إلى حي الشجاعية في مدينة غزة ، ومن ثم إلى حي التفاح وبعدها إلى حي الزيتون ، وفي كل هذه الأحياء كانت مجموعة من القصص والمواقف في طفولتنا التي كانت مرتبطة في كل ما يحدث في فلسطين عام 48، وكانت قصص الهجرة والتشريد والقتل هي الشغل الشاغل لكل الفلسطينيين.
والحدث الثاني الذي أتذكره كطفل في فبراير عام 1955 ، حادثة الهجوم على المحطة ، حيث قام الجيش الإسرائيلي بنصب كمين لسيارة شاحنة عسكرية تقل عددا كبيرا من الجنود جاءت من خانيونس في اتجاه مدينة غزة ، في ذلك الوقت كنا مقيمين في بيارة عيسى الوحيدي القريبة من البوليس الحربي، وشاهدت أجساد الجنود تحترق في الشاحنة العسكرية وكان عددهم حوالي 24 شخصا من جيش التحرير الفلسطيني والذي تم تشكيله من قبل الإخوة في مصر ، احترقت أجساد الجنود لمدة 4-5 ساعات وكانت رائحة الموت تعم المكان ، وارتكبت هذه الجريمة مجموعة إسرائيلية بقيادة موشيه شاريت ، استمرت هذه الصور ترافقني في أحلامي كطفل وبقيت بصماتها محفورة في وجداني .. وبالتالي كانت هذه الصور لطفولتي غير طبيعية ومرتبطة بما يحدث حولي .
فمن الهجرة إلى استشهاد عمي إلى الأخبار اليومية التي تتوالى فيها الاعتداءات الإسرائيلية على شعبنا .
بعد هذه الحادثة كان هناك تحركات من بعض الشباب في اتجاه يجب أن لا ننتظر ونصمت ، ونتلقى الضربات الإسرائيلية دونما رد من جانبنا ، وكنت قريباً من هؤلاء الشباب لان أخي محمد "أبو حسن" كان من هؤلاء الشباب وكان صديقه الحميم أبو جهاد وكانوا يقومون بعمليات عسكرية من نوع بدائي وبسيط بدون إطار سياسي، والتي كانت مقدمة لما أطلق عليها فيما بعد ظاهرة "الفدائيين" وكنت أرافق هذا الحدث من بعيد ومعجب بأخي محمد وأبو جهاد ورفاقه.
لذلك كنت في تلك الفترة أتفاعل مع ما هو محيط بي وبدأت علاقة خاصة تربطني مع الأخ أبو جهاد. ظلت حتى استشهاده في تونس في 16-4-1988 وهو نفس اليوم الذي توفيت فيه والدتي في الدوحة في قطر وسافرت إلى تونس لتوديع جثمان الأخ أبو جهاد الذي نقل إلى دمشق ولم أتمكن من المشاركة في جنازة والدتي .
مهمة وطنية كبيرة
ثم جاء الاحتلال الإسرائيلي سنة 56 واجتاح مدينة غزة بشكل بشع ، وهربنا مع العائلة إلى الرمال في اتجاه البحر وعندما عدنا في اتجاه المنزل، قررت والدتي إرسالي إلى المنزل لإحضار بعض الحاجيات ، وعندما دخلت المنزل رأيت مجموعة جثث من المدنيين الفلسطينيين ملقاة على مدخل البيت ، الذي كان يقع على الطريق الرئيسي "شارع صلاح الدين" ومن الواضح أنهم التجأوا إلى منزلنا هربا من الجنود الإسرائيليين الذين تابعوهم وأطلقوا الرصاص عليهم في داخل المنزل.
هذه الصور بقيت محفورة في ذاكرتي ، ثم بدأت أشعر بأن هناك تحركات ، حيث كان أخي محمد يحملني رسائله إلي قيادات المقاومة التي بدأت تتبلور في قطاع غزة آنذاك من كل المجموعات منهم الشيوعيين والإخوان المسلمين وخليط من الناس الذين شعروا بالظلم في هذه الفترة والشيخ هاشم الخزندار الذي كان له دور بالغ الأهمية في قيادة المقاومة آنذاك ، وكان صديقا لوالدي وأخي محمد ، وكانت مهمتي نقل الرسائل من شخص إلى آخر لأني كنت صغيراً في السن ولا ألفت الانتباه ، هذه الرسائل كانت في غاية السرية بين المجموعات وأنا لم أكن على إطلاع بمحتواها ، وأتقنت عملية تسليمها لمن يهمه الأمر ، وكنت أشعر بأنني أقوم بعمل كبير وكنت سعيدا بذلك
الانتقال إلى العريش
بعد ذلك بدأ الإسرائيليون بملاحقة أخي محمد فقرر الانتقال إلى العريش، لتصبح حياتنا مشردة وازدادت تشرداً ، ورفضت والدتي العودة إلى المنزل الذي استشهد فيه مجموعة من المدنيين مما ترك الأثر في نفسيتها ، فانتقلنا للعيش في منزل أصدقاء لنا ، أولا في حارة الزيتون بطرف أبو إسماعيل سلمي ، وبعدها في الشجاعية بطرف عائلة الحاج كامل عياد ، حيث قاموا باحتضاننا وتعتبر هذه العائلة عائلتي ، ولم نستطع الاستمرار في البقاء بطرفهم لان والدي كان مفقودا في سيناء أو منطقة قناة السويس التي قصفت لأيام متتالية من قبل القوات البريطانية والفرنسية ولم تصلنا أخبار عنه ، ونتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي مرت بالعائلة وأحوال والدي الذي نجا من العدوان الثلاثي وبقي في الاسماعلية ومن ثم انتقل إلى العريش بعد أن انسحب منها الإسرائيليين .
قررت عائلتنا مغادرة قطاع غزة خلسة إلى العريش حيث تعرضنا للمضايقات والتفتيش المتكرر والاعتداء بالضرب على أخي أحمد وعمي الحاج كامل عياد ، حيث كان الإسرائيليون يبحثون عن أخي محمد.
بمساعدة أصدقائنا أيضا انتقلنا من غزة إلى رفح بشاحنة وبمساعدة بعض الأقرباء والأصدقاء تمكنا من الوصول إلى العريش سيرا على الأقدام.
العودة ثانية إلى غزة
وعندما انسحب الإسرائيليون من غزة عام 1957 ، عدنا فوراً أنا وأسرتي ، حيث كانت مسيرات كبيرة تطالب بعودة الإدارة المصرية وضد الإدارة الدولية ، وتركت أهلي عند مدخل غزة الجنوبي يكملون بالشاحنة طريقهم إلى حي الشجاعية لانضم مشاركا في المسيرة ، وهنا أذكر استشهاد محمود مشرف أمام عيني عندما رفع العلم الفلسطيني بدلا من علم الأمم المتحدة ليسقط شهيداً برصاص البوليس الدولي ، واذكر الشعار الذي كنا نردده في هذه المسيرة الضخمة "محمود مشرف موتك إلنا بشرف" .
إن هذه الصور شكلت شخصيتي ، والطينة التي صقلت منها ، كانت كلها ملتصقة بتراب فلسطين وكانت حياتي امتدادا لكل هذه القصص والصور.. صور الشهداء ومعاناة شعبي وتشرد أسرتي.
العمل السياسي
بعد ذلك بدأت أنشط في المجال السياسي ، وكان هناك نشاطات للإخوان المسلمين بعد عام 56 ، ولكن تيار المناخ الكبير كان لعبد الناصر ، ومما لا شك فيه بأنني تشبعت بسياسة عبد الناصر ، إلا أن أخي محمد وأبو جهاد كان لهما الأثر الأكبر في صقل شخصيتي ، وقد كانت علاقتي بالأخ أبو جهاد علاقة خاصة جداً حيث كان يتردد على أخي محمد وكان يحبني ، فكان القائد أبو جهاد شاباً مميزاً جدا في أسلوبه وحياته وأكله وشربه ومحيطه وهدوءه العجيب، وبسمته الدائمة ، وترك أسلوبه على نفسي آثارا كبيرة، وكنت أنظر بإعجاب كبير إلى شخصية أبو جهاد ، وسافر أبو جهاد مع أخي محمد إلى الإسكندرية لدراسة اللغة الألمانية ولم يستطيعوا السفر إلى ألمانيا وتوزعوا إلى السعودية وعملوا مدرسين وسافر بعدها أبو جهاد إلى الكويت ، وظلت هذه العلاقة إلى عام 1958 حين شعرت أن هناك بلورة إلى شيء ما بالهمس يسير ، وفي 1959 تم إصدار أول عدد من نشرة فلسطيننا عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ، وكلفت من قبل الأخ أبو جهاد بالقيام بتوزيعها على المكتبات وفي المدارس، أما أخي محمد فكان قليل الكلام ولكنه أشرف على العمليات العسكرية الأولى التي مهدت إلى انطلاق العمل العسكري لقوات العاصفة .
السفر إلى ألمانيا وتنظيم أمين الهندي
كنت قريباً من هذه الحالة إلى أن قررت السفر إلى ألمانيا في أواخر 1962 وساعدني في ذلك لدى والدي الأخ أبو جهاد ، وسافرت إلى ألمانيا وكنت مهيأ للعمل من أجل الحركة ، ومشبعاً بأهدافها وكلفت من الأخ أبو جهاد بتجنيد العمال والطلبة ، وأول شخص قمت بتنظيمه في ألمانيا كان الأخ أمين الهندي في 31-12-1962 ، وشخص آخر اسمه يوسف النونو والذي استشهد لاحقا نتيجة إصابة طائرة مصرية كان يستقلها بصاروخ إسرائيلي ، وآخرين منهم أحمد نمر عبدالله وحسين جابر ومحمد سعادة ، وهذه كانت أول خلية شكلت لحركة فتح في كل أوروبا ، وفي أوائل عملي في بدايات 1963 في ألمانيا تعرفت على هايل عبد الحميد وهاني الحسن ، وكانوا نشيطين ولديهم تجربة كبيرة في العمل التنظيمي وهم أكبر مني سناً ، وتعلمت منهم الكثير وقد لفتوا انتباهي فقمت بإرسال أسمائهم للأخ أبو جهاد ، ونصحت باستقطابهم لينضموا لصفوف حركة فتح ، وكانوا يشرفون على تنظيم العائدون لتحرير فلسطين وكان عملهم محاطاً بالسرية ، وكلفت بإرسال معلومات تفصيلية عنهم للأخ أبو جهاد، فعرف أبوجهاد أن هاني الحسن شقيق خالد الحسن وهايل عبدالحميد كان اسمه معروف في سوريا لأنه كان مناضلا مع الشهيد صبحي ياسين وأيقن أبو جهاد بأن هؤلاء بالفعل مهمين، وأذكر انه عندما حاول الأخ هايل تجنيدي لتنظيم "العائدون" لعلاقتي المتينة معه ، صارحته حينها بانتمائي لتنظيم فتح ، واتفقت معه أن نكون مع التنظيم الذي يبدأ العمل العسكري أولاً ، وبعدها أرسل لنا الأخ أبو جهاد الأخ حمدان عاشور لتعميق وترسيخ العلاقة معهما .
في ذلك الوقت كان هاني رئيس طلبة اتحاد فلسطين ويعمل بشكل جيد ، ولقد استفدت منه ومن هايل الكثير ، وبدأت الأمور تتطور إلى أن التقى الاثنان مع الأخ أبو جهاد ومع إخوان آخرين من قيادة الحركة، وتم تشكيل مكتب لحركة فتح في ألمانيا ترأسه هايل عبدالحميد وهاني الحسن ، وكنت حينها أصغرهم سناً وأقلهم تجربة ولم أجد أي إحراج في هذا الموضوع على الإطلاق، وتعلمت مفهوم التنظيم من هايل عبدالحميد رحمه الله والعمل الإعلامي ومخاطبة الجماهير تعلمتها من هاني ، وتعرفنا بعدها وخلال تجربتنا على إخوان كثيرين منهم الدكتور نبيل نصار الذي نصحني بإتقان اللغة الألمانية لأجيد الخطاب باللغة الألمانية ما دمت سأعيش في أوروبا حتى نستطيع كسب الألمان ، وقد توفي نبيل نصار رحمه الله بمرض السرطان قبل سنة ونصف تقريبا .
اذكر هذه الأسماء لأنها تشكل علامات واضحة ومحطات لتاريخي في حركة فتح ولا يمكن إلا أن أعطيها حقها ، وخضنا التجربة النقابية والطلابية وكانت رائعة حتى أصبحنا نعمل في كل أوروبا ، ومن الشهداء الذين تعاملت معهم ، الشهيد محمود الهمشري ممثلنا في فرنسا ، الشهيد وائل زعيتر في إيطاليا ، الشهيد نعيم خضر في بلجيكا ، الشهيد عصام صرطاوي سفيرنا المتجول ، والشهيد سعيد حمامي في لندن ، مع كل هؤلاء كنا نشكل محطات في أوروبا لاستقطاب الفلسطينيين والأصدقاء، وأنا أعتقد بان سفارات فلسطين بدأت هناك في ألمانيا، فرنسا ، بلجيكا ، وفي السويد ، وامتدت هذه التجربة إلى العام 1967 وكنا نعمل بشكل جيد على المستوى الإعلامي والتنظيمي والنقابي ، حيث كان لاتحاد طلبة فلسطين 24 فرعاً في ألمانيا وحدها ولا بد أن اذكر الأخ حيدر إبراهيم أحد قادة عمال طلبة فلسطين آنذاك.
الكفاح المسلح
جاءت حرب 1967 وكان وضعنا جيد جداً ، وكنا متشبعين بتجارب الآخرين مثل الحالة الجزائرية واليوغسلافية والكوبية والفيتنامية ، وكان اتجاهنا بضرورة تطوير عملنا خاصة وأننا نعيش في أوروبا حياة ديمقراطية اختلطنا فيها مع الكثيرين من الأوروبيين والأجانب الذين يعيشون هناك وكنا نشكل جزءا مهما من حركات التحرر العالمية وكان الشارع الأوروبي يقف بجانبنا ، وكانت الثورة الفلسطينية آنذاك تشكل حالة مهمة جدا حظيت باهتمام كبير في أوروبا، وحيث أن ألمانيا كان بها أكبر عدد من الفلسطينيين وأكبر حجم من التنظيم لحركة فتح ، وتم تبني خط الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير فلسطين . وجاءت حرب عام 1967 وكان الأخ هاني الحسن مكلفاً بمهمة في السودان والأخ هايل عبدالحميد معتمداً لإقليم فتح في القاهرة وساهم مساهمة كبيرة في بناء التنظيم في مصر ، واقترحت آنذاك على الأخ أبو جهاد الذي كان موجودا بالصدفة بطرفنا في ألمانيا في اجتماع عقد في مدينة فرانكفورت لأبناء الحركة مباشرة بعد هزيمة عام 1967 وتم الاتفاق على أن نلتحق بالفدائيين والعمل العسكري في الأرض المحتلة ، وبدأنا نتدارس كيفية وصول المتطوعين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ولقد حبذ الأخ أبو جهاد الفكرة وسافر إلى دمشق عن طريق تركيا براً ووعد بأن يرسل لنا إشارة للتحرك من ألمانيا إلى المكان الذي ننطلق منه إلى فلسطين.
قمنا بجمع أسماء المتطوعين وكانوا يزيدون على 200 اسم وانقطعت أخبار الأخ أبو جهاد عنا ، فبدأت أبحث عن مركز للتدريب، وقمت باتصالات عديدة كان آخرها الأخ أحمد وافي "أبوخليل" معتمد لإقليم حركة فتح في الجزائر وعلمت منه بأن لدينا مركز للتدريب في الجزائر في مدينة بليدة حيث توجد الكلية الحربية، ونتيجة لفشل الاتصالات بالأخ أبو جهاد قمت بصياغة برقية تحمل توقيعه موجهة للأخ أمين الهندي يطلب منا ضرورة التحرك من ألمانيا إلى الجزائر للتدريب هناك ، ومن الجدير بالذكر أنني لم أطلع أحداً على هذا السر في ذلك الوقت ولم أذكر هذه الواقعة حتى للأخ أمين الهندي ، ولكنني ذكرتها للأخ أبو جهاد، وللاخ هايل عبدالحميد، وهاني الحسن لاحقا.
قمنا بجمع التبرعات لتغطية نفقات السفر ، ولكن بعد أيام بدأ العدد يتضاءل ، لذلك قررنا الإسراع بالسفر إلى الأراضي الفلسطينية عبر الجزائر، ولكن الدكتور نبيل نصار رحمه الله كانت له وجهة نظر أخرى بأن نتريث ونحافظ على هذه الطاقات المتعلمة لأننا سنحتاجها فيما بعد وأن لا نذهب كلنا لنحارب ، ولكننا اتخذنا قراراً بالسفر ، وكان معنا الأخ وليام نصار الذي يعمل الآن في مكتب الأخ الرئيس محمود عباس ، وكان يدرب الشباب في ألمانيا آنذاك على الطبوغرافيا وقد قرر السفر معنا هو ونبيل.
التدريب في الجزائر
انتقلنا إلى الجزائر وتدربنا هناك على أيدي ضباط جزائريين وضعوا كل خبرتهم العسكرية لتدريبنا بشكل مكثف ولكننا شعرنا بنوع من التباطؤ في عملية التسفير ، طلبنا بعد لقاء مع وزير الدفاع الجزائري وشرحنا له رغبتنا بالإسراع في السفر إلى سوريا وطلبنا منه بإلحاح بان يساعدنا في ذلك ، وسافرنا بعد تدريب عسكري دام 7 أيام ، وكان في مجموعتنا زهير المناصرة وعدنان أبو عياش الذي تم تنظيمه في الطريق إلى الجزائر وكان معنا أيضاً غازي الحسيني وسعيد اللقطة ، وبناءً على تعليمات وزير الدفاع الجزائري قامت طائرة عسكرية بنقلنا إلى سوريا حيث استقبلنا في مطار دمشق الأخ أبو جهاد والأخ أبو صبري ممدوح صيدم وكانت فرحتنا كبيرة ، في وليمة العشاء التي أعدت لنا بالطريقة الفلسطينية "الفلافل والحمص والزيتون والزعتر والجبنة .. الخ" ، وتم نقلنا إلى غوطة الشرقية في منزل بين الحقول حيث مكثنا يومين ، وهنا أيضاً بدأنا نشعر بالتلكؤ ، لذلك طلبت من الأخ زهير المناصرة أن يذهب للقاء الأخ أبو جهاد ويطلب منه الحضور بطرفنا بالمعسكر لأننا كنا مصممين على النزول إلى الأرض المحتلة.
وبالفعل جاء الأخ أبو جهاد إلى المعسكر وقال لنا غدا ستذهبون إلى فلسطين .
اختلى بي الأخ أبو جهاد واخبرني بأنه قرر أن يكون الأخ زهير المناصرة مسئول المجموعة العسكري حيث أنه من سكان الضفة الغربية. وأخبرته بأنه لا يوجد عندي أي مشكلة في تكليف الأخ زهير المناصرة لان هدفي الوحيد هو الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكانت فرحتنا عارمة ، وجاء اليوم التالي وانتقلنا إلى "الهامة" حيث التقينا بالأخ أبو عمار والذي استقبلنا بحرارة ودفيء وقام بنفسه بالإشراف على توفير الأسلحة والذخيرة لمجموعتنا المكونة من عشرة أشخاص وعين لنا دليلاً هو حماد الصانع حيث كان يحفظ المسالك والطرق في فلسطين عن ظهر قلب
الانطلاق إلى الوطن
انتقلنا في سيارة جيب عسكرية من "الهامة" في اتجاه "درعا" ومنها إلى الحدود الأردنية ، حيث يوجد موقع عسكري للجيش العراقي الذي كان يساعدنا في الدخول عبر الأراضي الأردنية إلى الحدود مع فلسطين ، ووصلنا على متن شاحنة عسكرية عراقية مدينة الكريمة التي تقع بالقرب من الحدود الأردنية الفلسطينية ، وأثناء تحركنا في اتجاه الحدود اشتبكنا بالخطأ مع دورية أردنية ، والحمد لله فإن الاشتباك لم يسفر عن إصابات ، حيث نادى دليلنا حماد الصانع على الجنود وقال : أنتم إخوان لنا وعليكم أمان الله. تبادلنا الحديث مع مجموعة الضباط والجنود الأردنيين ووجدناهم شباب رائعين متعاطفين وسهلوا لنا دخولنا دون أي إشكالات.
في صباح اليوم التالي قررنا النزول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر نهر الأردن ، وعبرنا النهر في الساعة العاشرة صباحا بكامل أسلحتنا ولقد كان في ذلك خطأ عسكرياً كبيراً ولكن حظنا أنه لم يتم اكتشافنا وانتقلنا من الحدود إلى بيارة موسى العلمي، واختبأنا بين الأشجار . قامت طائرة هليوكوبتر إسرائيلية بالتحليق فوق أشجار البرتقال وكنا نعتقد أنهم يقصدون البحث عنا ولكنهم اختفوا بعد فترة وجيزة ، وبقينا حتى آخر الليل في أماكننا، وقمنا بتخزين الأسلحة والعتاد بين أشجار البرتقال وانتقلنا بعدها إلى الضفة الغربية في سيارات مدنية وبدون أسلحة وانقسمنا إلى ثلاث مجموعات ، كنت مع مجموعة زهير وذهبت معه إلى بيته في بني نعيم ، واستقبلنا أهله بحفاوة كبيرة ، والمجموعة الثانية عدنان أبو عياش وغازي الحسيني توجهوا إلى قرية "بيت أُمر" ونزلوا في بيت عائلة أبو عياش ، والمجموعة الثالثة مع سعيد اللقطة وتوجهوا إلى الخليل حيث يقطن.
خلفيات الاعتقال
ولأننا خرجنا من ألمانيا بشكل علني وكتبت الصحافة الألمانية عن نيتنا كطلبة فلسطينيين التوجه إلى سوريا للالتحاق بالعمل الفدائي فبالتأكيد تشكلت صورة مسبقة عند المخابرات الإسرائيلية حول تحركنا. أما بالنسبة لي فقد اتفقت مع زهير المناصرة في الليلة الأولى التي أمضيناها في بني نعيم أن أذهب في صباح اليوم التالي أنا والدليل حماد الصانع إلى العوجة وبيارة موسى العلمي لإحضار الأسلحة والعتاد وبالفعل ذهبنا إلى بيارة العلمي وكان الاتفاق أن تأتي لنا في العوجة سيارة لأخذ الأسلحة ونقلها إلى أماكن تم تحديدها من قبل الأخ زهير ، قمت والأخ حماد الصانع بنقل الأسلحة وتخزينها إلى منطقة قريبة من الطريق الرئيسية واتفقنا على إرسالها على دفعتين وكانت الآلية أن تأتي لنا سيارة وبالفعل تم إرسال الدفعة الأولى مع سائق التاكسي الذي أرسله لنا الأخ زهير .
وأثناء وجودنا أنا و الدليل حماد الصانع في بيارة العلمي في انتظار اليوم التالي لإرسال الدفعة الثانية من الأسلحة ، اقتحمت قوات الجيش الإسرائيلي فجراً بيت عدنان أبو عياش في "بيت أُمر"، ومن الواضح أن المخابرات الإسرائيلية كانت على علم بوجود عدنان وغازي وعرفت فيما بعد بأنهم قاموا بضرب عدنان ضربا مبرحا وبدون رحمة ونتيجة لذلك اعترف لهم عن مكان وجود زهير المناصرة ، والذي اعتقله الجيش الإسرائيلي في منزله في بني نعيم مباشرة، ولم يكن صعبا بعد ذلك معرفة مكان وجودي والدليل حماد الصانع وبقية الأسلحة.
قمت والدليل حماد بنقل الجزء الثاني المتبقي من الأسلحة والعتاد إلى مكان قريب من الطريق العام بين أشجار البرتقال في انتظار السائق فجر اليوم التالي لإعطائه بقية الأسلحة وفجر اليوم التالي قمنا بالسير على الأقدام على الطريق العام بالاتجاه الذي سنلتقي فيه بسيارة التاكسي ، وفجأة حلقت طائرة صغيرة فوق رؤوسنا، ثم ابتعدت لتعود من جديد على ارتفاع منخفض أكثر فجأة ظهرت قافلة سيارات عسكرية إسرائيلية لا يقل عددها عن 20 سيارة وكان واضحاً بالنسبة لي أنهم يبحثون عني وعن حماد ، وبعد دقائق محدودة اعتقالنا ونقلنا إلى العوجة ، حيث تم اعتقال عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين في ذلك اليوم ، وتم حجزي وحماد الصانع في غرفة مزدحمة في سجن العوجة .
بعد ظهر ذلك اليوم تم استدعاء حماد الصانع من قبل قيادة السجن وعندما عاد إلى غرفتنا كانت علامات القلق بادية على ملامحه ولقد همس في أذني بأنهم يعلمون كل شيء عن مجموعتنا ، ولقد تم اعتقال الباقيين في بني نعيم وبيت أمر ، ونحن آخر اثنين من المجموعة تم اعتقالنا ، وكان حماد الصانع مستاء جدا من السرعة التي تم بها إعتقال مجموعتنا وعبر عن ذلك بكلمات قاسية .
وبعد فترة وجيزة تم استدعاؤنا نحن الاثنين إلى فناء السجن ، حيث كان يتواجد أكثر من 50 جندياً إسرائيلياً يحملون السلاح ، يقودهم ضابط أشقر قصير القامة ، من أصل بلوني ويتحدث اللغة الألمانية .
لمحت هناك زهير بين الجنود زهير المناصرة وعدنان أبو عياش ، وكان عدنان في وضع صعب وقاسٍ ، حيث كان من الواضح أنه قد تعرض إلى ضرب مبرح ، وكان زهير مكفهر الوجه ، وشعرت بأن الضابط الإسرائيلي يريد هدم معنوياتنا ، حيث قال إنهم يعلمون بتحركنا منذ خروجنا من ألمانيا وأن جيشهم هزم الجيوش العربية مجتمعة لذا فلا داعي لمقاومة الجيش الإسرائيلي ، كانت لحظات قاسية مررت بها وشعرت بحزن عميق لفشل مهمتنا .
بعد ذلك تم نقلنا معصوبي العيون ومكبلي الأيدي إلى سجن الخليل حيث وصلنا ليلا وكان الظلام حالكا في تلك الليلة، وتم اقتيادنا أنا وزهير معاً ، وغازي الحسيني وعدنان ابو عياش معاً، وأما حماد الصانع لم أره حتى يومنا هذا .
في سجن الخليل أحضروا ضابط كبير في السن من اليهود الفلسطينيين، يجيد اللغة العربية جيداً ، أول شيء قاله لي : لماذا قدمت إلى هنا ، والدك أرسلك لدراسة الطب ماذا تريد أن تفعل . وقلت له وأنا مصاب بحالة ذهول : أنا جئت هنا لأطمئن على أهلي بعد انتهاء الحرب، فاتهمني بالكذب . واستمر التحقيق معنا في تلك الليلة إلى ساعة متأخرة كل على إنفراد ، وفي السجن بدأت تجربة جديدة بالنسبة لي وكانت معركة تحدي من نوع آخر ، وكان علينا الصمود ، حيث قرر الإسرائيليون دراسة هذه الظاهرة بتعليمات من موشيه ديان وزير الدفاع في ذلك الوقت دراسة قدوم هؤلاء الطلبة الفلسطينيين الذين جاءوا متطوعين للالتحاق بالعمل الفدائي ، وبناء على ذلك أحضروا خيرة خبرائهم في كافة المجالات، في علم النفس ، الفلسفة، علم التاريخ ، وعلم الاجتماع ، وكان برنامج استجوابنا يأخذ معظم الوقت ، لذا كان أول قرار لنا نحن الأربعة زهير ، سعيد ، عدنان ، وأنا أن نقوم كل ليلة قبل نومنا بالنقاش حول كل ما دار طوال يومنا وذلك بصدد توحيد موقفنا ورؤيتنا وكان لهذه الجلسات الأثر الكبير في صمودنا ومواجهتنا لكل محاولات الترهيب والترغيب لمدة نصف عام قضيناها في السجن.
تحدثنا بشكل موحد
واجتمعنا نحن الأربعة بعد أن قررت إسرائيل الإفراج عنا شريطة أن لا نعود لسوريا واتفقنا أن نلتقي سويا في مدينة فرانكفورت بعد الإفراج عنا وأن نقرر سويا الخطوات التي لابد لنا من اتخاذها ، واتفقنا أيضاً أن نبلغ بعضنا في حالة الاتصال بأي منا من قبل الإسرائيليين ، وبالفعل اجتمعنا في مدينة فرانكفورت بعد خروجنا مباشرة وقرر زهير المناصرة وعدنان أبو عياش البقاء في ألمانيا وإكمال دراستهم ، وقررت أنا وسعيد اللقطة السفر إلى سوريا لإطلاع اللجنة المركزية على ما حدث معنا في السجن.
ملاحقتي في فرانكفورت
عندما كنا في فرانكفورت جاء رئيس المخابرات إلى مكان إقامتي وحاول أن يضعني تحت ضغوط في أنه يريد أن يتحدث معي ، وأنا هددته بتبليغ الشرطة الألمانية إذا حاول ثانياً ، وطلبت منه عدم الاتصال بي مجددا وهددته بإبلاغ الشرطة الألمانية في حال حدوث ذلك مرة ثانية .
أخبرت جاري الألماني بتلك المضايقات ووقف بجانبي وأكد لي أنه أيضاً سوف يبلغ الشرطة في حال قدومه مرة أخرى ، وبالمناسبة فإن زوجتي أم بشار هي ابنة ذلك الصديق الألماني .
مناقشة اللجنة المركزية
نزلت أنا وسعيد اللقطة إلى سوريا واجتمعنا مع الأخ أبو جهاد وطلبت اجتماعاً للجنة المركزية وتم ذلك بالفعل في منزل الأخ أبو اللطف على حفلة غداء وشرحت لهم كل شيء حدث معنا بالضبط ، وانتقدت طريقة إرسالنا ، وسوء حالة أسلحتنا لأن بعض الأسلحة التي كانت في حوزتنا لم تكن صالحة ، ولأني كنت أتحدث ناقداً ، تدخل الأخ أبو عمار رحمه الله مستنكراً ذلك . قائلاً: إن كل عسكري مسئول عن بندقيته . وقلت له : نحن عندما استلمنا الأسلحة في الهامة ركبنا سيارة جيب عسكرية ، انتقلنا بعدها إلى شاحنة عسكرية تابعة للجيش العراقي مباشرة ، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن تفحص الأسلحة . تدخل أبو يوسف النجار رحمه الله لصالحي ، حيث كان أبو يوسف النجار آنذاك قائداً لقوات العاصفة وهو رجل عنيد وصلب والكل يحترمه ، ولقد اغتالته هو وزوجته قوة كوماندوز إسرائيلية في عملية عرفت باسم عملية الفردان بقيادة باراك مع الشهيدين كمال عدوان وكمال ناصر في 17 إبريل 1973 ، ومن ثم تحدثت عن تجربتنا بعدما دخلنا إلى الأرض المحتلة وفي داخل السجن، وانتقدت كل الأخطاء بهدف الاستفادة من هذه التجربة ، وفي نهاية الجلسة تدخل الأخ أبو السعيد في النقاش وهو مفكر ومبدع . وقال : استمعوا إلى ملاحظات هذا الشاب. وانتهى الاجتماع.
كان هناك توجهاً من الأخ أبو عمار والأخ أبو جهاد والأخ أبو يوسف أن أعود إلى ألمانيا لأننا بحاجة إلى وجود حركة فتح هناك . واستثمار التجربة في استقطاب الطلبة وتقوية التنظيم وبنائه ودعمه .
وبالفعل عدت إلى ألمانيا لأكمل مسيرة نضالي ، وقد عملت في صفوف إتحاد عام طلبة فلسطين واتحاد عام عمال فلسطين وتنظيم حركة فتح وانتخبت لقيادة إتحاد الطلبة في عام 1968 لمدة 4 سنوات ، وفي هذه الفترة وضعنا خطة للتحرك الإعلامي مع الأصدقاء الألمان والأجانب وخاصة اتحاد الطلبة الإيراني الذي كان يناضل ضد الشاه في ذلك الوقت ووضعنا برنامجا للتصدي لعمل السفارة الإسرائيلية.
وفي عام 1969 تشكلت كونفدرالية بين ألمانيا والنمسا وانتخبت رئيساً لها ، وبمساعدة نبيل نصار الذي كان يجيد اللغة الألمانية والفرنسية والإنجليزية وكان له إطلالة كبيرة على الإعلام الأوروبي تعلمت منه الكثير في الإعلام ومخاطبة الأوروبيين
وفي 12 يونيو 1969 كنت مشاركاً في مناظرة مع اليهودي "اللي لوبل" من المعاديين للسياسات الإسرائيلية ، وزعيم "المتسبن" وهي أول حركة دعمت المقاومة الفلسطينية ، وخلال المحاضرة هاجموا القاعة مافيا إسرائيلية "بلطجية" ، واستفردوا بي وكان كل تركيز الضرب على رأسي دخلت على أثرها المستشفى ومكثت لمدة شهرين كدت أشل بالكامل ، وبقيت أعاني منها فترة طويلة، وأكاد أجزم بأن العملية التي أجريت لي في مطلع عام 2001 هي نتيجة هذه الحادثة .
المصحف الصغير وقصة "التشويه"
وهناك قصة لابد من ذكرها بهذا المجال عندما زارني والدي في السجن أهداني مصحفاً صغيراً ، وقبل أن أغادر الوطن أهداني أيضاً مصحفاً ، وتضامناً أخذت هذا المصحف وأرسلته إلى غازي الحسيني في السجن بواسطة الصليب الأحمر، لأفاجأ بأن غازي الحسيني اتهمني لاحقاً بأنني أرسلت له المصحف مع ضابط مخابرات إسرائيلي .
وهنا أود ولأول مرة في حياتي أن أذكر هذه القصة كما هي لأنها لم تعد ملكي ومن حق أبناء حركة فتح عليَّ أن يطلعوا عليها كما أنه من حقي أن أنهي مسرحية التشويه التي تمت حتى الآن ، لقد طرحت هذه القضية في المجلس الثوري في عام 1989 وقلت وبشكل واضح في ذلك الوقت أن ما يشفع لغازي الحسيني فقط أنه نجل عبدالقادر الحسيني ، وما يحميه من ردة فعلي هو أنه ابن عبدالقادر الحسيني . وكان غازي الحسيني قد أثار هذه الحملة عندما دخلت اللجنة المركزية لحركة فتح حيث قال بأنه يستحق ذلك أكثر مني . طبعا هنا أريد أن أقول أنه من حق أي فرد من أبناء الحركة أن يعترض على دخولي اللجنة المركزية ، ولكن لا أحد يملك الحق في تشويهي واتهامي في وطنيتي ، ولقد استغلت حركة حماس هذه القصة في كافة مراكزها الإعلامية لمحاربتي في محاولة منها للنيل مني.
ويستمر المشوار
بعد ذلك عملت في العمل الإعلامي والسياسي والدبلوماسي ووصلت إلى عميد السلك الدبلوماسي الفلسطيني ، وشاركت في إلقاء مئات من المحاضرات حول التاريخ والحق الفلسطيني في الجامعات وفي كل مكان ، وكتبت العديد من الدراسات والأبحاث ومن أهمها أصدرت كتاباً باللغة الألمانية بعنوان "فلسطين بين الماضي والحاضر" وترجم بعدة لغات وتمت ترجمته أخيراً إلى اللغة العربية وسيضاف له باباً ليغطي فترة ما بعد أسلو يستعرض التاريخ الفلسطيني ويتصدى للتشويه الذي تقوم به الدعاية الإسرائيلية ، وهو كتاب مهم جدا طبع منه ثمانين ألف نسخة، وسوف يصدر قريبا باللغة العربية.
الطرد الملغوم
أبعدت من ألمانيا في 27 سبتمبر 1972 ، مع عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين وذلك بعد العملية التي تمت في ميونخ ، وكان هناك قرار بتكليفي بفتح مكتب للعلاقات الخارجية في سفارتنا في الجزائر ، وتم افتتاح المكتب بمساعدة الأخ أبو خليل سفيرنا هناك ، وأرسل لنا الإسرائيليون طردا معنون باللغة الفرنسية باسم "ممثل منظمة التحرير الفلسطينية"، وكنت أنا وأبو خليل في المكتب نقرأ البريد في 24 أكتوبر 1972 ، وقع في يدي مظروف له نوعا ما وعند فضه وجدت كتابا صادرا عن جيش التحرير الفلسطيني باللغة العربية والإنجليزي وبدأت أتصفح الكتاب ورأيت صورة لأنيس الصايغ رئيس مركز الأبحاث الفلسطيني والذي كان قد أصيب من جراء طرد متفجر أرسله الإسرائيليون شهرا قبل ذلك وفي هذه اللحظة كان أبو خليل ممسكا بمظروف أبيض يتحسسه حيث كان منتفخا إلى حد ما ، ونظر إلى بعينيه الزرقاء سائلا ما رأيك يا عبدالله في هذا المظروف ، وهو مستمر في تحسسه بأطراف أصابعه ، فقلت له بالله عليك يا أبو خليل أن لا تفتح هذا المظروف وأشرت بأصبعي على صورة أنيس الصايغ في الكتاب الذي بيدي وبعدها صحوت ووجدت نفسي في المستشفى بجانبي أبو خليل وكميات هائلة من الدم تنزف من عينيه ووجهه ولقد فقد أحد عينيه وعدد من أصابع يديه وأصبت في حروق بسيطة في وجهي وتمزقت طبلة أذني اليسرى .
زيارة محمود الهمشري وكمال عدوان
جاء الأخ كمال عدوان رحمه الله عضوا في اللجنة المركزية من بيروت لزيارتي ، كذلك الأخ محمود الهمشري جاء من باريس حيث كان يمثلنا هناك ، وذلك في نهاية شهر أكتوبر 1972 وسهرنا سويا وتحدثنا عن كافة القضايا والمشاكل التي تواجهنا في أوروبا وكان محمود الهمشري بسيطا متواضعا ، وفتحاويا صلبا ، ونمنا في فندق البير في الجزائر في غرفة بسريرين ، واستيقظت الساعة الثالثة صباحاً ، فرأيت جسد محمود مغطى بشرشف أبيض ، وفي الصباح تمنيت عليه عدم السفر إلى باريس ، وعلى طاولة الإفطار جاء الأخ كمال عدوان وطلبت منه أن لا يسمح للأخ محمود للسفر إلى باريس لخطورة ذلك ورفض الأخ محمود وقال لي : بدك نهرب من الساحة الأوروبية وانخليها للإسرائيليين ، ولم أجد وسيلة لإقناعه وقمت بتوديعه في مطار الجزائر وشعرت بأن شيئاً ما سيحدث له ، وفي 29 نوفمبر 1972 ، نجح الإسرائيليون في وضع عبوة ناسفة في غرفته تحت طاولة التلفون وقاموا بتفجيرها عن بعد ، ولقد زرته في المستشفى ولكنه توفي متأثرا بجراحه ورافقت جثمانه إلى دمشق حيث دفن هناك.
استمرت إسرائيل في تصفية كل من له علاقة بحركة فتح في أوروبا وذلك انتقاما لعملية ميونخ ، والحقيقة أنني فوجئت أيضاً بعملية ميونج مثل أي شخص آخر ، حيث كان كل عملي كان مركزاً على العمل الإعلامي والدبلوماسي والسياسي
العودة إلى الوطن
قبل أن أعود إلى الوطن ذهبت إلى باريس وكنت مقيماً في فندق متواضع جداً بالقرب من الرئيس ياسر عرفات في مستشفى بيرسي العسكري ، وداومت بجانبه حتى توفى الأخ أبو عمار رحمه الله واستقبلت كل القيادات الفلسطينية عندما جاؤوا إلى باريس الأخ أبو مازن ، الأخ أبو اللطف ، الأخ أبو علاء ، والأخ أبو ماهر ، وكنت معهم وكلفت من قبل اللجنة المركزية أن أرافق جثمان الأخ أبو عمار في رحلته الأخيرة إلى الوطن في 12 نوفمبر 2004 ، ومن الجدير بالذكر أنني أيضاً رافقت الأخ أبو عمار في 1 يوليو 1994 عند عودته إلى أرض الوطن .
ليلة الخيمة الحزينة
وعندما عدت إلى الوطن دخلت في هذه المعركة وأطلقت عليها "ليلة الخيمة الحزينة" .. خيمة العذاب ، ما رأيته في الخيمة أرعبني ، وتخوفت من الحالة التي وصلت بها حركة فتح ، وألمني جداً ، وكان هذا دافعا لاتخاذي قرار بأن مكاني في الوطن وليس خارجه ، وبالفعل باشرت عملي بعد أن كلفت برئاسة لجنة التحقيق فيما جرى بخيمة العزاء، وعملت بما يرضي ضميري لوحدة الحركة وبعد ذلك كلفت بمهام مكتب التعبئة والتنظيم.
كيف تصف لنا بكلمات :
المخيم .. لقد عشت وكبرت في المخيم ، ودائماً يذكرنا بيافا ويبنى واللد والمجدل واسدود وكل قرى الوطن، والمخيم كان السبب في تشكيل الهوية الفلسطينية وقد كان الأخ أبو عمار بطل تشكيلها وتثبيتها في العالم.
الأطفال.. لا أحد فينا لا يحن لطفولته، وأسعد الأيام مراحل الطفولة وهي تعني البراءة والطبيعة والحرية وتستحق الاستشهاد من أجلها.
الثورة .. لا بد منها إذا كنت محتلاً وفاقد حريتك.
الديمقراطية.. هي المنفذ للشعب الفلسطيني إذا مورست بشكل جيد وحقيقي وأن تكون الأرض التي تقف عليها حركة فتح.
النظام العالمي.. نتمنى أن لا يخضع لقرار واحد.
غزة.. المدينة التي ترعرعت فيها وأعشق بحرها ومن الذين يجيدون السباحة بشكل جيد.
نابلس.. هي تاريخ ، زرتها مرة واحدة وأتمنى أن أزورها مرة أخرى وهي محررة.
عكا… صديقي وعزيزي الرسام إبراهيم هزيمة من عكا ، أهداني لوحة جميلة جدا .
عين الحلوة.. هذه المخيمات هي حامية الثورة وعلينا أن ألا ننساها.
بئر السبع.. أراها كالحلم ، فقد قضيت طفولتي فيها ودائما مرتبط فيها وهي بلد يزيد عمرها عن 8000 عام ، و تذكرني بالآباء والأجداد.
هل لك أن تقيم عملك في السلك الدبلوماسي الفلسطيني ؟
كسفراء لم ننظر من موقع دبلوماسي بقدر ما كنا دائماً نعمل على نشر القضية الفلسطينية ، في اتحاد الطلبة واتحاد العمال وكل إخواننا السفراء تخرجوا من مدرسة اتحاد الطلاب، واتحاد العمال، والنقابات الفلسطينية مثل اتحاد الأطباء، واتحاد المهندسين.
عملنا الدبلوماسي كان في البداية تحت غطاء جامعة الدول العربية ثم تطور إلى أن أصبحنا بالفعل نمثل دولة فلسطين ونشكل جسماً كبيراً، وهناك دول تعترف بنا اعترافاً كاملاً وأخرى نصف اعتراف ولكن لم يكن هذا هدفنا، ولم يكن وضعي الدبلوماسي في ألمانيا معترفاً به بالكامل ، ولكن في جامعة الدول العربية كانوا يعتبرونني سفير فلسطين ، وهذا ما ينطبق على فرنسا وإيطاليا الذين يعملون كمفوضيات عامة لفلسطين ووضعهم ليس كوضع سفارة ، ولكن عملنا الدبلوماسي كان استكمالاً لعملنا النضالي .
وكل سفرائنا يجيدون لغة البلد التي يعيشون فيها، وحقيقة إن سفراءنا ظلموا في الحملة التي كانت ضدهم، وهناك تراكمات نسي الجميع أنه لم يكن لنا أن نعيش في وطننا إلا بعد أن دخلنا في أوسلو. وحتى بعد أوسلو كان الكثير من إخواننا لم يستطع الدخول إلى أرض الوطن، وأصبحت كل مشكلة العمل الدبلوماسي أنهم يقيمون هناك، وأنا مع التغيير ومع أن العمل على التغيير ولكن عيب علينا أن نتهم إخواننا الذين شاركونا النضال وحملوا الرسالة الفلسطينية إلى كل العالم وقدموا الشهداء من أجل القضية.
في أول اجتماع للسفراء في رام الله اقترحت أن تكون اسم الدورة "دورة الشهداء محمود الهمشري ووائل زعيتر ونعيم خضر وعصام صرطاوي وكل الأخوان الذين استشهدوا" ، و لا نستطيع أن نتحدث عن العمل الدبلوماسي بهذه الطريقة وهذا لا يعني أن لا نحاسب من أخطأ،
وحين يتم تقاعدهم يجب أن يتم تكريمهم قبل إحالتهم على المعاش.
ياسر عرفات ماذا يعني للأخ عبدالله الإفرنجي ؟
في أول اجتماع لي في اللجنة المركزية ، دخل الأخ أبو عمار القاعة متجهاً نحوي كالرشاش، ولم أتفوه حينها بكلمة واحدة ، وتدخل الأخ أبو إياد يسألني : مالك ساكت. فقلت له : لم أتعود أن أرد على والدي إطلاقاً من قبل ، والأخ أبو عمار مثل والدي.
ما هو موقف اللجنة المركزية من ملف التحقيق في قضية استشهاد ياسر عرفات "إذا صح التعبير تسميم ياسر عرفات" ؟
تابعت بشكل مكثف هذا الملف، لوجودي في باريس، وناقشت كل الإخوان المعنيين وكنت مع الأخ أبو مازن والأخ أبو علاء والأخ نبيل شعث في كل اللقاءات مع المستشفى العسكري ، فوجدنا أن الفرنسيين قاموا بجهد جبار من أجل إنقاذ الأخ أبو عمار.
وعندما سئلوا بشكل مباشر في مسألة التسميم. قالوا: نحن قمنا بكافة الفحوصات الطبية على كافة السموم المعروفة لدينا ، ولم نجد آثارا للسموم، وعلى المستوى الشخصي أشعر أن السرعة في انتشار المرض وتدميره لكل شيء في جسم الأخ أبو عمار ملفتة للنظر بشكل كبير جداً، وأميل إلى التسميم أكثر من أي شيء آخر، ولكن أيضاً في هذه النقطة وحتى نكون واضحين إذا كان الأخ أبو عمار قد سمم ، فمن المؤكد أن يكون نوعاً من السموم التي لا تكتشف قد استخدم ، ولذلك علينا أن نحظر في التعامل مع هذه القضية وخاصة تجاه فرنسا، لأنها قامت بجهد عظيم جداً، وهم أصدقاء وكرموا الأخ أبو عمار كزعيم فرنسي.
في تصوري أن التحقيق بتسميم الأخ أبو عمار متأخر جداًُ، والأخ أبو عمار مات شهيدا كما تمناها عندما قال شهيداً شهيداً شهيداً، ودفن في المكان الأقرب إلى المكان الذي يريد أن يدفن فيه وقد أعطانا في حياته وأعطانا أيضاً في مماته الشيء الكثير ، وهنا نؤكد على أن أبو عمار في مماته أكد لكل العالم أن كل الشعب الفلسطيني معه وكل أبناء مصر معه وكل أهل فرنسا معه وكل العالم كان يومها مع الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار ، وقد حضر إلى مطار القاهرة 116 طائرة من مختلف أنحاء العالم لوداعه.. هذا هو أبو عمار
كيف تقيم عملية نقل السلطات بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات ؟
كانت بشكل سلس ولكنها بحاجة إلى خلق آلية للتعامل مع كل المشاكل بشكل سريع جداً مثل قضايا الفلتان ، وكذلك في مشكلة توزيع البطالة فنحن نفتقد العدالة في ذلك ، ويجب أن تكون مرجعية في توزيعها حتى يحصل عليها من يستحقها، لأنني شاهدت أسماء غير محتاجة حصلت على البطالة ، أيضاً لا بد من التعامل مع الذين ناضلوا طوال هذه الفترة بشكل أفضل وتكريمهم ليس في مهرجان إنما بشكل يليق بنضالهم وهذا ليس فقط على المستوى العسكري إنما لكل الذين عملوا في م.ت.ف ، وعلينا أن نعمل كسلطة مراجعة كاملة حتى لا نظلم أحداً ، والنقطة الأخرى علينا أن نتعامل مع الانسحاب الإسرائيلي بتحضير أكثر حتى يكون هذا الانسحاب في ظل السلطة الفلسطينية الواحدة لكي يشعر العالم بأسره أننا قادرون على حفظ الأمن وحتى نأخذ الباقي من أجزاء وطننا المحتل.