مع اهتزاز الوضع الأمني من جديد من خلال التفجيرات المتنقلة بين بئر العبد والرويس وصولاً الى طرابلس، كثرت الأصوات التي تدعو الى الحوار والتلاقي، وكثيرون هم السياسيون الذين طلبوا من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الدعوة الى عقد طاولة الحوار الوطني، علّ المشهد الوطني الجامع يخفّف من هذه الأعمال الإرهابية التي تستهدف في غالبية الأحيان الأحياء السكنية. غير أن هذه الدعوة وفيما لو حصلت، من المرجح أن تصطدم بعلاقة متوترة بين سليمان وأحد أفرقاء النزاع الأساسيين، ألا وهو "حزب الله". لذلك وقبل أن يدعو رئيس الجمهورية الى أي حوار، عليه بحسب المصادر المطلعة أن يجري مصالحة مع الحزب، الذي يعتبر أن "الرئيس تموضع منذ حوالى سنة الى جانب فريق الرابع عشر من آذار ولم يعد هذا الأمر خافياً على أحد، لذلك كيف يمكن له أن يدير الطاولة وهو يشكل طرفاً مع فريق ضد آخر؟" تسأل أوساط الحزب.
القضية بحسب المصادر المطلعة بدأت منذ آب 2012، يوم رفض رئيس الجمهورية في عيد المؤسسة العسكرية، "أي شراكة مع الجيش والقوى الشرعية في الأمن والسيادة والتصرف بعناصر القوة التي هي حق حصري بيد الدولة". يومها وصلت الرسالة جيداً الى الضاحية الجنوبية، "الرئيس يصوّب على سلاح المقاومة".
أكثر ما يثير إستغراب الحزب بحسب المصادر المطلعة كيف أن سيد بعبدا نسي أو تناسى وقوفه الى جانبه في الجلسات السابقة للحوار الوطني، عندما كان فريق الرابع عشر من آذار يضع العراقيل بوجه هذه الطاولة ويحدد للرئيس شروطاً مسبقة للمشاركة بهدف إستفزازه وفرض عليه ما لا يريد.
أما ذروة إنزعاج الحزب وغضبه من رئيس الجمهورية، فجاءت عندما تسرّب الى قيادته، أن طرح رئيس الجمهورية عن الإستراتيجية الدفاعية ينطلق في ثوابته من خلال المعادلة التي أعلنها في خطاب عيد الجيش 2012، الأمر الذي يعتبره المنزعجون من سلوك الرئاسة الأولى مزيداً من الإنقلاب على معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ويرون فيه محاولة لتمرير قرار إستراتيجي كهذا على طاولة الحوار، وبحضور الحزب.
إنزعاج "حزب الله" من الرئيس وإتهامه بالتناغم مع قوى الرابع عشر من آذار، تثبّت أكثر فأكثر عند إغتيال اللواء وسام الحسن، يومها ربط رئيس الجمهورية خلال التشييع بين جريمة الإغتيال وملف الوزير والنائب السابق ميشال سماحه وكأنه كان يريد من ذلك أن يوحي للرأي العام بأن هذه الجريمة مرتبطة مباشرة بتلك خصوصاً عندما دعا القضاء الى الإستعجال في إصدار القرار الإتهامي في قضية سماحه.
إذاً بين بعبدا والضاحية الجنوبية، أكثر من قلوب مليانه وقد تنفجر هذه العلاقة في أي لحظة لأن هذا الفريق لم يعد يحتمل فيها مواقف الرئيس الذي جاء بمظلة توافقية "قبل ان يختار إستغلال موقع الرئاسة الأولى للعمل السياسي كفريق منافس للذين ساهموا في وصوله الى سدة الرئاسة"، وبالتالي المصالحة مع هذا الفريق أساسية وإلا فلا طاولة حوار ستعقد.