عمان - محمد جميل خضر - لم يكن مجرد حفل توقيع، ما جرى أول من أمس في النادي الأورثوذكسي، فإشهار «موسوعة الهولوكوست الفلسطيني المفتوح» للباحث المتخصص في الشؤون الفلسطينية الزميل نواف الزرو، هو جهد جبار تصدى له المؤلف على مدى 15 عاماً ماضية بدافع ذاتي مخلص، وعمل وطني دؤوب.
في هذا السياق فإن المناسبة التي تابعها زهاء 300 باحث وكاتب ومهتم وصديق، تجلت بمشاركة باحثين وأكاديميين وأصحاب اختصاص بالقضية الفلسطينية، كفعلِ فَضْحٍ لممارسات العدو في التطهير العرقي والإبادات الجماعية بحق الشعب الفلسطيني بالوثائق والدلائل.
حفل الإشهار الذي أداره الشاعر صلاح أبو لاوي، تحدث فيه د. صبحي غوشة ـ الهيئات المقدسية، د. أنيس قاسم، د. هشام غصيب، د. حياة عطية والروائي رشاد أبو شاور.
الباحث نواف الزرو، وقبيل توقيعه الموسوعة، لخص لحضور حفل التوقيع الذي تابعته عديد الفضائيات ووسائل الإعلام، سيرة الجهد الذي واصله حتى رؤية الموسوعة النور، ومرّ على مفاصل تاريخية من المؤامرة الكونية الكبرى التي أدت إلى اختلاق دولة من العدم، وإحلالها مكان دولة قائمة ومكان ذاكرة وناس وشعب. في هذا السياق يذكر الزرو أن عدد اليهود في فلسطين لم يتجاوز حتى مطالع القرن العشرين أي حتى تاريخ مؤتمر بازل أو بال (سيّان) وحتى ما بعيد ذلك المؤتمر الذي عقد عام 1897، حوالي 25 ألف شخص، ومساحة ما يملكونه من أراض داخل فلسطين التاريخية لم يتجاوز حتى ذلك الوقت زهاء 100 دونم كان اشتراها الثري اليهودي مونتي فلوري في منطقة قريبة من يافا. أما لماذا تضاعفت تلك الأرقام بشكل هستيري مرعب، ووصل عدد اليهود في فلسطين عند حدوث النكبة عام 1948 إلى حوالي 650 ألف غازٍ جاءوا من كل حدب وصوب، ومساحة ما يملكونه من أراض وصل إلى ستة ونصف بالمائة من مجمل مساحة فلسطين، ثم وصول هذه المساحة إلى 78 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية، فهو ما يضع الزرو حوله علامات استفهام كبرى، قد توازي المؤامرة الكبرى والمخططات الجهنمية التي أدت في نهاية المطاف إلى اختلاق (إسرائيل) حيث يضعها الزرو بين قوسين لتأكيد عدم مشروعية تلك الدولة أو الكيان الذي قام كما يصف المفكر د. هشام غصيب في ورقته لحفل الإشهار على منطق «إحلالي كولونيالي امبريالي مقيت». هي إذن «أجندة سرية» عملت، بحسب الزرو، على اختلاق (إسرائيل) وزرع أوتاد الدولة العبرية، وفي المقابل «إسكات الزمن العربي الفلسطيني في فلسطين».
ورغم مختلف أشكال الضم والهضم والابتلاع والتوسع الاستعماري الإحلالي، إلا أن رموز الحركة الصهيونية، أيقنوا، كما يذهب الزرو، أن كل ذلك لا يصنع دولة، ولا يمنحهم التفوق الديمغرافي إن لم يقوموا بارتكاب جزائر جماعية متواصلة تعمل على إبادة الشعب الذي ادعوا عدم وجوده في فلسطين، وعلى تخويف بقيته وتهجيرها، وهو ما يحاول الزرو أرشفته وتوثيقه في موسوعة الهولوكست الفلسطيني بجهد بحثي توثيقي أرشيفي غير مسبوق.
في سياق متصل تحدث المشاركون في حفل التوقيع كل من زاويته ومنطلقات اهتمامه بالموسوعة ودلالاتها وأهميتها.
د. صبحي غوشة تطرق لمسألة الإحصائيات الدقيقة التي تضعها «موسوعة الهولوكوست الفلسطيني المفتوح» أمام المعنيين، إحصائيات عن الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وتفاصيل مئات المجازر، وهدم المنازل والقرى والمدن، واعتقال مئات آلاف السكان وتشريدهم. إحصائيات عن العنصرية المفرطة، القوة العسكرية الرابعة في العالم، جهاز الموساد وأجهزة استخبارات متعددة تصل إلى أبعد الحدود، غارات جوية تدمر المفاعل النووي في العراق وسوريا وتونس والسودان أخيراً. وبعد استعراضه مختلف ما تقدم، يذهب غوشة إلى أن الزرو لم يشأ من خلال إيراد تلك المعلومات والإحصائيات تخويف الأمة العربية من بعبع يدعى (إسرائيل)، بل على العكس من ذلك، يورد في المقابل ما يناقض صورة البعبع تلك، وعلى لسان أبناء هذا الكيان من مثل مقولة أرنون سوفير إن الكيان أمام خطر وجودي وغيرها من العبارات والمقولات من داخل الكيان وخارجه.
الباحث د. أنيس قاسم لخّص خصوصية الموسوعة وأهميتها بثلاث روافع: الجرأة في اختيار الاسم، والميزة الثانية هي العنوان الفرعي الذي استخدمه وهو «اختلاق إسرائيل وسياسات التطهير العرقي». قاسم يرى أن الميزة الثالثة المتعلقة بالموسوعة أن الزرو أنجز من خلال إصدارها التحدي الأكبر والمتمثل، بحسب قاسم، بتوثيق معظم معلوماتها وحقائقها بالعودة إلى مصادر عبرية، مستفيداً من إتقانه اللغة العبرية تماشياً مع المثل القائل «من فمك أدينك».
المفكر د. هشام غصيب وصف الموسوعة أنها «عمل جبار بأكثر من معنى»، بحثياً، إذ يوحي الجهد المبذول فيه أن وراءه «مؤسسة بحثية كاملة وفريقاً بحثياً كبيراً، رغم أن الحقيقة أن الزرو وحده أخذ على عاتقه إنجاز هذا العمل العملاق بساعده وذهنه المتوقد».
غصيب يختم مداخلته بالقول «إن على الفلسطينيين والعرب أن يدركوا خطورة المرحلة، وأن يلملموا أنفسهم من أجل مجابهة هذا الكيان الإجرامي، ورفض التطبيع أو التفاهم معه، وإحباط مخططاته ومخططات الإمبريالية لتعزيز هيمنتها على المنطقة، ولا شك أن هذه الموسوعة المهمة تشكّل أداة ثقافية نضالية أساسية في هذه المجابهة وإذكاء روح المقاومة الشعبية».
الباحثة والمترجمة والأكاديمية د. حياة عطية رأت في مداخلتها أن قلة قليلة من يستطيعون تحويل تجربة السجن إلى مساحة تعلم وابتداع أساليب جديدة في النضال والمقاومة، وذهبت إلى أن «نواف الزرو من هؤلاء القلة، عندما جعل من تعلمه الأكاديمي، ودراسته للغة العبرية في فترة السجن منطلقاً لرحلة طويلة تتميز بالإصرار والعمل الصامت، المنهجي، بجلد ومثابرة نادريْن».
عطية أوردت في سياق متصل أربع ملاحظات، وناقشت فكرة الكتابة كفعل مقاوم للنسيان، وأساس مصطلح «الهولوكوست» في الأدبيات التلمودية، إذ يتضمن المعتقد الصهيوني التلمودي أن حرق اليهودي في النار يتطلب تعويضاً إلهياً، وهو ما كرسته الصهيونية العالمية، عندما فرضت التعويض الدوري من قبل ألمانيا لدولة الاحتلال، وهو التعويض الذي أنقذ انهيار الدولة في بداياتها مطالع خمسينيات القرن الماضي.
الروائي رشاد أبو شاور اقترح في مداخلته تأسيس موقع يحمل اسم الموسوعة، ويشارك فيه المعنيون، وتوضع الموسوعة على صفحاته بلغات عدة، ويكرس مختصون وخبراء وقتاً صادقاً خالصاً لتطوير الموقع وإدامته وحمايته وجعله وسيلة لإيصال الموسوعة وما تحويه من أرقام وحقائق إلى العالم، خصوصاً في أوروبا وأمريكا، فهم من ينبغي أن تتغير الصورة في وجدانهم، بعد عقود من هيمنة الإعلام الصهيوني، والطرق على رؤوس أبناء تلك الدول بالرواية الصهيونية القائمة بشكل جوهري على الأكاذيب والدعاوي الباطلة.