مفاهيم الهزيمة والانتصار
أشرف عبد الرحمن" ابو سامر"
يختلط على الكثير منّا كما في سوء الهضم ، سوء الفهم ايضاً لعدد من المفاهيم والمصطلحات اللغوية فيلجأ بحسن نية للانشداد العاطفي نحو ظاهر اللفظة وسطحيتها فيغفل المضمون السياسي والبعد الواقعي لها ولآثارها على السلوكيات القائمة في مسرح الاحداث كمنطلق لتركيم الفعل التغييري في كل الاتجاهات المتعاكسة سواء النصر أو الهزيمة.
من هنا تأتي اهمية ربط هذه المفاهيم بمجموعة من العوامل المادية والروحية والارتباط الجدلي بينها
لتحقيق موضوعية التقييم والتأسيس على ذلك في معركة إثبات الذات . فلو أسقطنا هذا الفهم الفكري
على ما شهده قطاع غزة من حرب عدوانية ظالمة ورصدنا المعطيات القائمة لأمكننا الوصول إلى
مقاربة دقيقة وأمينة لما جرى ويجري .
قد يقول البعض ان"اسرائيل" تمتلك السلاح النووي ولديها إمكانيات عسكرية هائلة وقدرات تدميرية لا تقف عند حدود ، تسندها في مشاريعها جبهة تحالفات تمتد على مساحة الكرة الارضية ، وان موازين القوى على الارض تعمل لصالحها مائة في المئة ، وتستطيع حسم أي حرب بأيام معدودات كما إعتادت أن تزرع في وعينا وفي وجداننا "قوة الجيش الذي لا يقهر" و أن الوقوف في وجهها يعد مغامرة وعبث وألعاب صبيانية ومغامرات غير محسوبة ...........الخ .
و نرد على هذا البعض ، ما دامت "اسرائيل" بهذه الوضعية الواثقة ، فلماذا لم تستطع الاحتفاظ بإحتلالها للاراضي اللبنانية تفعل فيه ما تريد وترغب وتجعل منه منطلقاً لتحقيق شعارها القديم بإن
"دولة اسرائيل من الفرات الى النيل" ؟ ومن أجبرها على الهروب من لبنان عام 2000 اذا كانت لا تقيم وزناً لكل الاجناس البشرية أو إعتباراً للمؤسسات الدولية وقراراتها ؟ ولماذا لم تتمكن من تحقيق طموحات قادتها حين عاودوا الكرّة على لبنان تموز 2006 والعالم كله شهد ما حصل على ارض المعركة من بطولات ومفاجآت جعلتهم يدفعون ثمناً غالياً وغالياً جداً ؟
فما دمت لم تستطع أن تأخذ مني ما لا أريد فأنت فاشل في مسعاك ، وإن نجحت أنا في منعك من تحقيق مرادك فلي الانجاز .
فلو أخذنا بعين الاعتبار حجم الامكانيات والقدرات التي تمتلكها القوى الموضوعية التي تخوض الصراع وطبيعة التحالفات لكل منها ، لأدركنا ان فشل "اسرائيل في تحقيق اهدافها هو هزيمة ، وان نجاح المقاومة في عدم تمكين العدو من فرض شروطه ا هو إنتصار . بهذا المعنى يكون فشل "اسرائيل "هزيمة وانجاز المقاومة ، انتصار .
ما جرى من حرب قذرة على قطاع غزة طيلة 25 يوماً مطابق تماماً لما جرى في لبنان وينطبق عليه
في الكثير من المعطيات مع الاختلاف في الطبيعة الجغرافية لقطاع غزة وضآلة إمكانيات المقاومة .
لا نريد ان نذهب بعيداً في تحديد الاهداف الصهيونية للعدوان على الشعب الفلسطيني والتي تستهدف
في حلقاته النهائية تصفية القضية الفلسطينية بإعتبارها جوهر الصراع العربي الصهيوني ............
بل سنبدأ بالاهداف المعلنة ونحكم على النتيجة بعد ذلك. لقد وصف قادة الكيان الصهيوني قطاع غزة
ب"الكيان المعادي" يعني بالمفهوم الامريكي الصهيوني "الكيان الارهابي" . والمطلوب إذن إقتلاع
" الارهابيين" . والمدخل " تغيير الوضع القائم في غزة وإنهاء سلطة حماس والمقصود هو المقاومة قالوا بإغلاق الانفاق ومراقبة المعابر لمنع تسلح الارهابيين واستقدام قوات دولية بحجة حماية الفلسطينيين مع ان الهدف الحقيقي هو فرض شروط "الرباعية" المذلة على الشعب الفلسطيني.
بعد الصمود الاسطوري والمقاومة الضارية طيلة 25 يوماً من المنازلة الكبرى ، بقيت المقاومة صامدة شامخة لم تتأثر قدراتها الصاروخية وظل الشعب الفلسطيني رغم هول الكارثة ملتفاً حول المقاومة وشرعية تمثيلها يدعمها ويتضامن معها كل شعوب العالم ...
لقد طرحت المقاومة الفلسطينية شروطها الواضحة وفرضت على قادة العدو وقفاً لاطلاق النار من جانب واحد والانسحا ب من قطاع غزة قبل انتهاء مهلة الاسبوع وهي تنتظر استجابته الكاملة وتنفيذ بقية الشروط رغم لجوئه للمناورات الالتفافية الخبيثة التي تستهدف اجهاض الانتصار وافراغه من مضمونه التحريري للارض الفلسطينية في المستقبل المنظور.
ان الدم الفلسطيني المراق كان السبب في الهبّة الجماهيرية العالمية .. هذا الدم الذي سيحدث التغيير المطلوب إذا ما توفرت الارادة الجامعة في تحقيق الحوار الجدّي والمصالحة الصادقة وصولاً الى حكومة وفاق وطني ووحدة وطنية حقيقية على قاعدة برنامج نضالي واضح يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بميثاقها الوطني بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده ... بهذه الروحية وهذا التوجه نحمي الانتصار ونعززه تحضيراً للقادم باذن الله.
ولتتكاتف الجهود حتى نكون فعلاً لا قولاً شبه فلسطين والاقصى ونكون أمناء على الدم والتضحيات
واستمرار المسيرة الثورية حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني .
أشرف عبد الرحمن" ابو سامر"
16 / 1 / 2009