مشروع الشرق الأوسط الجديد
السقوط: بين الامكانية التاريخية والامكانية الواقعية
الكاتب والمحلل الفلسطيني اشرف عبد الرحمن
بعيد إنتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق والادارة الأمريكية المتصهينة، لم تجد هذه الاخيرة أدنى صعوبة في اختلاق عدوّ وهميّ لإضافة عنصر جديد الى تبريراتها المخادعة الزائفة، وشن حروب عدوانية اخرى في مناطق عديدة من العالم، بهدف تعزيز سيطرتها وهيمنتها واستئثارها واستفرادها بمقدرات وثروات شعوب العالم، وتمكين العدو الصهيوني تالياً من إحكام تسلطه وتفوقه واستمرار تحكـّمه بقرار الحرب والسلم في منطقة الشرق الأوسط خدمةً لمصالح الحليفين الإستراتيجيين أميركا والكيان الصهيوني.
إن الادارة الأمريكية التي وجدت في مسألة "محاربة الإرهاب" أكثر العناوين جذباً واستقطاباً، استطاعت بنجاح منقطع النظير تحشيد وتجنيد كل دول العالم، وتسخير إمكانياتهم في دعم ومساندة خياراتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية ضد العدوّ الوهميّ المختلق "الارهاب الدولي".
وفي سبيل تحقيق أهدافها الإستراتيجية، تفتقت العبقرية الأمريكية المخرّبة عن مشروع شيطاني خطير وآلية جهنمية أخطر، تمثلت في إفتعال تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك (أو ما سُمّي أحداث 11 أيلول)، وإلصاق التهمة "بالارهاب الإسلامي". فكانت الخطوة الأولى إحتلالاً عسكرياً مباشراً لأفغانستان تحت ذريعة التخلـّص من النظام الإسلامي "الإرهابي" التي تسيطر عليه حركة طالبان بقيادة الملاّ عمر، واجتثاث "تنظيم القاعدة" التي يتزعمه الشيخ اسامة بن لادن باعتبارهما يشكلان تهديداً للسلم والأمن العالميين.
إن الإدارة الأمريكية الحالية ومن ورائها دولة الكيان الصهيوني وقوى الإستعمار الغربي، وإن نجحت مؤقتاً في احتلال كامل للأراضي الأفغانية، إلاّ أنها أخفقت في تحقيق أهدافها التكتيكية والإستراتيجية... وها هي المقاومة الأفغانية توجّه الضربات الموجعة والقاتلة لقوى حلف شمال الأطلسي التي تعاني من تململ وإضطراب وإرباك وتخبّط في صفوفها، بعدما استطاعت هذه المقاومة تحرير مناطق كبيرة جنوبي وجنوب غربي البلاد، الأمر الذي يشير عملياً الى وجود عثرات وصعوبات جدية تعترض المشروع الأمريكي الصهيوني، مما يؤسّس لمؤشرات حقيقية تهدّد بإخفاقه وإفشاله وإسقاطه وهزيمته لاحقاً...
وفي سبيل إنجاح مشروعها الإستعماريّ "مشروع الشرق الأوسط الجديد" القائم أساساً على مبدأ التقسيم والتفتيت وإستحداث دويلات وكيانات إثنية وعرقية وطائفية تحترب فيما بينها، سعت وأقدمت الإدارة الأمريكية بزعامة المجرم بوش على الخطوة الثانية بعد إحتلال أفغانستان، بخلق حجج وذرائع واهية لاحتلال دولة العراق التي تمثـّل حسب زعمهم الدولة الإقليمية الكبرى وتمتلك أسلحة الدمار الشامل، ولها باعٌ طويلٌ في دعم وتمويل "الإرهاب العالمي" ولها إرتباط وثيق بتنظيم القاعدة، وتهديدها الدائم لأمن ومصالح دول الخليج وأمن الكيان الصهيوني تحديداً، واعتداءاته المستمرة على الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. مع أن الأهداف الحقيقية الخفية لهذه الإدارة الحاقدة تستهدف أصلاً الإستيلاء على أكبر مخزون للنفط في المنطقة العربية، وضمان حماية أمن الكيان الصهيوني، والإبقاء على حالة الإنقسام والتخلـّف والجهل لدى شعوب دول المنطقة.
إن الإحتلال الأمريكي الصهيوني الغربي الإستعماري لأر ض العراق وثرواتها، وبالرغم من تعديل الدستور وتعيين حكومات محلية موالية، ووضع اليد على النفط، وتدمير إقتصاد العراق وثرواته الوطنية، وإغتيال الآلاف من العلماء، وقتل ما يزيد عن مليون عراقي وتشريد الملايين، وتقسيم
العراق بين شمال كردي وجنوب شيعي وفتات من الوسط السني، وخلق ميليشيات إثنية وعرقية وطائفية متناحرة. بالرغم من كل ذلك، ورغم الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها أطراف المعسكر المعادي، لم يفلحوا في النيل من المقاومة الوطنية العراقية المظفـّرة. وها هي الأصوات في دول الغرب الإستعماريّ وأميركا تتعالى مطالبةً بضرورة وضع جدول زمني للإنسحاب من العراق. وهذا دليل ثاني على أن المشروع الأمريكي في المنطقة بدأ يترنـّح بإنتظار لحظة السقوط الحتمية له.
وبدلاً من إستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من التجربتين الافغانية والعراقية المقاومة ووضع حلول لمأزقها ، دأبت وكعادتها في الهروب إلى ألأمام والتورط في ألأزمة اللبنانية لتكون مع حليفتها " إسرائيل " أول الغارقين في وحول المستنقع اللبناني .
لقد وضعت إدارة بوش نصب عينها إخراج القوات السورية من لبنان كنقطة إنطلاق لاضعاف نفوذ وتأثير " الوصي السوري " على مسار ألأزمة اللبنانية وتفرعاتها وتشعباتها وإمتداداتها الاقليمية والدولية ، فشكلت غرفة عمليات في مقر سفارتها في بيروت تعمل على مدار الساعة تخطيطاً وتدبيراً وتمويلاً وتنفيذاً لمشروعها في عرقنة لبنان كجزء من رد أمريكي صهيوني على نجاحا ت
المقاومة اللبنانية في دحر القوات الصهيونية عن معظم ألأراضي اللبنانية عام 2000 بإستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقسم من بلدة الغجر .
وكان أمام أجهزة الاستخبارات الامريكية والصهيونية والغربية العمل علىإيجاد مناخ سياسي
مؤات وإنقسام سياسي حاد في لبنان يمكّنها من البدء في تنفيذ المرحلة ألأولى من مشروعها . والمدخل هو إحداث هزّة سياسية كبرى تستفيد من آثارها ونتائجها ا ومفاعيلها وتداعياتها لاحقاً .
فكان إغتيا ل رئيس الحكومة اللبنانية الشهيد رفيق الحريري بمثابة اللحظة الحاسمة لدق المسمار
ألأول في نعش الوجود العسكري السوري في لبنان وصدور القرار الدولي رقم 1559 ، علماً
أن القيادة السورية كانت قد نفذ ت عدة مراحل من إعادة إنتشار قواتها في لبنا ن قبل صدور القرار .
إنسحبت القوات السورية بالكامل من ألأراضي اللبنانية ، وتعمّق بعدها إنقسام سياسي حاد بين
ألأطراف اللبنانية إثر سلسلة من ألاغتيالات طا لت سياسيين وإعلاميين وأمنيين وعسكريين ليصار
إلى توجيه التهمة لسوريا والضغط عليها لتليين موقفها السياسي تجاه المقاومات العربية في لبنان وفلسطين والعراق وبالتالي تغيير موقفها من المشروع ألأمريكي الصهيوني في المنطقة ........ .
فلا المحكمة الدولية أفلحت في كشف الجهة التي تقف وراء إغتيال الرئيس الحريري وألاغتيالات
اللاحقة ، ولن تفلح في ذلك أبداً لان أصل وهدف تشكيلها هو سياسي مشبوه بإمتياز ، ولا إستطاعت المبادرات الاوروبية ( الفرنسية ) والعربية تخفيف حالة الاحتقان والانقسام السياسي والشعبي في لبنان والوصول إلى حل توافقي يضمن إنتخاب الرئيس التوافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة بناء المؤسسات الدستورية . وإستطراداً لم ينجح المجتمع الدولي عبر حربه الكونية على لبنان في تموز 2006 من كسر شوكة المقاومة الوطنية اللبنانية و تحقيق أي من أهدافه التكتيكية وألاستراتيجية .....فانضم القرار الدولي رقم 1701 إل سابقاته من القرارات المعطّلة .
ولم يكن حظهم في إثارة الفتن المذهبية والطائفية ومحاولات خلق صراع فلسطيني – لبناني ، والتي لن يكون آخرها ما جرى في مخيم نهر البارد بأفضل حال من المحاولات السابقة الفاشلة .
لقد أقدمت قوى التحالف ألأمريكي الصهيوني الاستعماري الغربي الرجعي على إغتيال القائد الرمز في المقاومة الوطنية اللبنانية الشهيد عماد مغنية متجاوزة كل الخطوط الحمراء لتبدأ مرحلة
مفصلية جديدة في صراع الارادات المتواصل والذي سيضع المشروع ألأمريكي والوجود الصهيوني كله على كف عفريت ....
إن إغتيالاً بحجم وموقع ومكانة ومستوى وفعالية وتأثير قائد مجاهد مثل الشهيد عماد مغنية لن يضعف من عضد المقاومين والمجاهدين بل سيشد أزرهم ويشكّل حافزاً على تعميق تمسكهم وإلتزامهم بخيار المقاومة وتعزيز ثقافتها في العالمين العربي والاسلامي ....
إن الارهاصات الجارية ألآن تؤشّر لتطور صراع إقليمي وحرباً إقليمية آتية لا محالة ، وتؤسس عطفاً على ذلك لنجاحات حتمية مباركة في السنوات القليلة المقبلة بإذن الله ....
فالفتح قريب ... والنصر قريب... فهل سيستفيق عرب أميركا " المعتدلين الخانعين القانعين المنبطحين المتخا ذلين المستسلمين وينضموا سريعاً إلى حركة شعوبهم فيكسبوا أنفسهم قبل أن تجرفهم نجاحات المقاومة وثقافتها ؟؟؟؟
شكّل إنتصار الثورة الاسلامية في إيران كلمة السر المفتاحية والاشارة ألأولى في إحداث التغيير التاريخي والاستراتيجي في منطقة الشرق ألأوسط رغم الاختلال الخطير في ميزان القوى الاقليمي لصالح إطراف المعسكر المعادي ... إن أبرز تجلّيات الانتصار ألأيراني موضوعياً تمحورت حول توفير المقدمات التاريخية لتعزيز عناصر الدعم والاسناد للقضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني ، وهزيمة المشروع ألأمريكي في لبنان بعد إنتصار المقاومة عليه والتي لن يكون آخرها تفشبل أهداف الحرب العدوانية في تموز 2006 .
إن إدراك رموز الادارة ألأمريكية المبكر لمخاطر إنتصار الثورة الاسلامية ألأيرانية على مصالحها ومصالح حلفائها خاصة حليفتها الاستراتيجية " إسرائيل " ، دفعها لاستنفار كافة إمكانياتها ألاستخباراتية وألأمنية والاعلامية والديبلوماسية والسياسية . والاقتصادية والمالية ( التي يتم تمويلها من عربها المرتبطين مصلحيا ً مع مشروعها ) .
بدأت الهجمة المسعورة على إيران بإختراع حجج وذرائع وأكاذيب وإدّعاءات وإفتراءات لتحشيد المجتمع الدولي لتبرير عدوانها معتبرة إمتلاك النظام في إيران للسلاح النووي يشكّل تهديداً للأمن والسلام الدوليين ، وخطراً حقيقياً على مصالح دول المنطقة بحجة السعي لاقامة " الهلال الشيعي " المنفلت جغرافياً والمدجج عسكرياً والذي يتدخّل في الشؤن الداخلية لدول المنطقة مما يزعزع أمنها وإستقرارها ويؤثّر على مصالحها الاستراتيجية .
لقد إعتمدت إدارة بوش على وسائل الاعلام الدولي وقرارات المؤتمرات والمؤسسات الاقليمية والدولية ، وعلى الاجراءات والعقوبات السياسية والاقتصادية والتلويح بعمل عسكري ضدها .
لكن كل ذلك إصطدم بثبات ومبدئية عالية من جانب إيران وفشلت الادارة ألأمريكية في إحداث أدنى إختراق في الموقف ألايراني . بل على العكس من ذلك إستمرت القيادة ألايرانية في تقديم دعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين . ولم ترهبها الضغوطات والتهديدات الممتدة ...
وها نحن نسمع مراراً من قيادات الجمهورية ألاسلامية ببشائر قدرة شعوب المنطقة على إزالة الكيان الصهيوني من الوجود وتحذر من مغبّة الاعتداء عليها من أي جهة أتى .. وقد أعذر من أنذر
من فلسطين كانت البداية... وفي فلسطين تكون النهاية ...هي ألأساس والمرتكز ... هي الجوهر والمحور ...منها إنطلق مشروع التفتيت الاستعماري لدول المنطقة ... وفيها تقوم مراسم دفنه ، وتخليص البشرية من ويلات الطاغوت المجرم ممثلاً بالادارة ألأمريكية والكيان الصهيوني ودول الاستعمار الغربي والاستسلام العربي وأدواته المحلية الصغيرة المتواطئة طوعاً أو قسراً ....
الكاتب الفلسطيني
أشرف عبد الرحمن
نشرنا لأي مقال أو بحث أو بيان لا يعني بالضرورة
مواقتنا على ما فيه،وإنما يندرج ذلك ضمن حرية الرأي والتعبير