العين الفلسطينية تنتصر على المخرز الصهيوني
.........وانتصرت الديبلوماسية الصهيونية أخيراً في ابتزاز " باراك أوباما " الطامع بولاية ثانية مقابل ضمان تأ ييده لتوجهات تحالف نتانياهو- ليبرمان ضد ما يعتبرونه الحلقة الأضعف في الصراع العربي الصهيوني – قطاع غزة , فسارع بإعطاء الضوء الأخضرالأمريكي وبدعم أوروبي كامل بشن الحرب على القطاع تحت ذريعة وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على المستوطنات وإعادة هيبة الردع الصهيونية المتآكلة و التي سخًـر من إجلها وفي سبيل ترميمها العـديد من المنـاورات العسكرية مؤخراً ، وتدمير البنية التحتية لفصائل المقاومة الفلسطينية لمنعها من استعمال ترسـانتها العسكريـة الإستراتيجيـة لاحقــاً . وكعادتـها في التوظيف الدنـيء و المراوغـة و الخـداع والتضليـل استغـلت
قيادة اليمين المتطرف مساعـي الوساطة المصرية لتحقيق هدنة طويلة الأمد مع الجانب الفلسطيني المخدوع بأوهام التهدئة وفاجأت الجميع باغتيال المجاهد القائد العام لكتائب عز الدين القسَام الشهيد أحمد الجعبري تنفيذاً لقرار أُتخذ منذ فترة طويلة باعتباره المسؤول عن خطف الجندي الصهيوني غلعاد شاليط وإخفائه حتى إبرام صفقة التبادل بالسجناء والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات العدو . ليس هذا فحسب بل هي اغتالت الجهود المصرية للتهدئة .
بدأت عملية " عامود السحاب " ضد قطاع غزة المحاصربهدف تغيير قواعد اللعبة وفرض واقع أمر جديد تكون فيه أيديهم هي العليا فتورط الصهاينة عندما اقتربوا من عش الدبابير الفلسطيني وفوجئوا بردة الفعل العنيفة القاسية حيث انهمرت صواريخ المقاومة الفلسطينية ، صواريخ فجر وزلزال وحجارة السجيل تدك المستعمرات وتجبر مئات الآلاف من المستوطنين على المبيت في الملاجىء والطوابق الأرضية والإختباء في مجارير الصرف الصحي ، وقد اضطر نتانياهو وبعض القيادات الأمنية والعسكرية للإختباء كالجرذان عند سقوط صاروخ فجر- 5 على تل أبيب ( تل الربيع) لأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني . وكانت المفاجأة التي أذهلت المجتمع الصهيوني بكافة مكوناته وتلويناته ، أن نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في استيعاب الضربات المتوالية ( أكثر من 150 غارة على أكثر من 100 هدف في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 300 كلم ) وأربكت حسابات القيادة السياسية الصهيونية وكشفت إدًعاءاتهم الكاذبة بتدمير مخازن ومنصات الصواريخ الفلسطينية بالكامل وبأنه لم يبقى لدى الفصائل سوى القليل منها ، لتنتهي الجولة الأولى من الحرب الظالمة بتحقيق الإنتصارات الفلسطينية التالية :
- سقوط الصواريخ على تل أبيب المدينة الآمنة الهادئة التي تعتبر العاصمة التجارية لدولة الكيان الصهيوني وتعطيل الحياة فيها ،والتي تشكل مركز عقل قيادته السياسية ، واعتراف الشاباك و إعلام العدوبتلقي ضربات قاسية ودفع ثمن باهض وتكاليف فادحة حتى الآن ،حتى تجرأ بعضهم على القول بأن الفلسطينيون أطلقوا من القذائف الصاروخية في ثلاثة أيام ما يوازي ما أطلقوه في حرب 2008 ، وبروز بعض الإنتقادات للقيادة السياسية . . .
- استهداف مدينة القدس لأول مرة منذ 64 عاماً .
- قصف قواعد عسكرية وأمنية على طول مساحة الوطن الفلسطيني المحتل .
- إسقاط طائرتين حربيتين وفقدان الإتصال مع طاقمهما .
- ضرب بارجة في بحر غزة .
- استهداف معظم المستوطنات الصهيونية بمئات القذائف الصاروخية ومبيت المستوطنين في الملاجىء ، وهروب الآلاف منهم إلى نتانيا وشمال فلسطين ، والشعور بالصدمة والمفاجأة والإمتعاض ، وازدياد أعداد طالبي العلاج النفسي وإعلان حالة التأهب القصوى في مستشفيات الكيان الغاصب .
- تثبيت معادلة الردع المتبادل .
- تفشيل أهداف نتانياهوالسياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية والنفسية بتوظيف الدم الفلسطيني في معركته الإنتخابية لكسب صوت الناخب الصهيوني والحصول بالتالي على أكبر كتلة نيابية في الكنيست .
- المصادقة على استدعاء 30000 جندي وضابط إحتياط ، ونشر لواء غولاني في محيط القطاع استعداداً لأسابيع طويلة وصعبة مع الفصائل الفلسطينية المقاومة في حال البدء بعملية عسكرية برية ضد قطاع غزة .
- تكريس الوحدة الميدانية بين الفصائل الفلسطينية عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة مما يساعد في إيجاد مناخات صحية لإنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة السياسية في وقت لاحق .
- طرد السفير الصهيوني من مصروجميع الديبلوماسيين العاملين في السفارة الصهيونية واستدعاء السفير المصري في " تل أبيب " .
- زيارة تضامن ودعم للشعب الفلسطيني من قبل رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل برفقة عدد من الوزراء إلى قطاع غزة وما تحمله هذه الزيارة من أبعاد سياسية . إضافة إلى مؤشرات إيجابية ظهرت في خطاب الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وما ترمي إليه من إشارات جدية حول الدور المصري الريادي المرتقب والمأمول في قيادة الأمة بعد أن كانت في عهد مبارك المخلوع تشكل كنزاً إستراتيجياً للأعداء .
- التحضير لزيارة وزير الخارجية التونسي لزيارة القطاع .
- إرسال التعزيزات العسكرية المصرية الى جبهة سيناء خلافاً لإتفاقيات كمب ديفيد مع العدو الصهيوني .
- فتح معبر رفح بالكامل أمام الأفراد والبضائع والشاحنات لتأمين الإحتياجات الطبية والغذائية والتموينية للقطاع مما يهيىء الأجواء لفك حصار دام طويلاً في العهد السابق .
- دعوة من دولة العراق لاستخدام سلاح النفط في مواجهة القوى التي تقف وراء العدوان .
- إستنهاض الشارع العربي والتفافه حول القضية المركزية وتصويب البوصلة نحو فلسطين قضية العرب الأولى بدل التلهي بمسائل خلافية هنا وهناك .
- استنجاد العدو الصهيوني بالإدارة الأمريكية لحث مصرعلى القيام بوساطة تهدئة مع الجانب الفلسطيني لإخراجهم من المأزق القاتل على المستوى الإستراتيجي .
هذه هي حصيلة إنجازات الشعب الفلسطيني في الأيام الثلاثة الأولى لعدوان " عمود السحاب " والتي هدف منها العدو الصهيوني إلى ما يلي :
أولاً : القضاء التام على القدرة الصاروخية الفلسطينية عبر تدمير منصات ومخازن الصواريخ المخبأة في القطاع .
ثانياً : تغيير قواعد اللعبة وفرض معادلات جديدة تمكًن العدو من التحكم بالقطاع وإجبار القيادة الفلسطينية على القبول بهدنة طويلة الأمد تمنح الأمان للمجتمع الصهيوني والإستقرار لجبهته الداخلية .
ثالثاً : توظيف إنجازات العدوان لتحقيق مكاسب إنتخابية تساعد تحالف اليمين المتطرف نتانياهو- ليبرمان على الفوز بأغلبية مقاعد الكنيست في الإنتخابات المرتقبة .
إن قراءة أولية لمحاكمة هذه الأهداف على الأرض تفضي إلى الإستنتاجات التالية :
- فشل الغارات الصهيونية في ضرب أو إضعاف القدرة الصاروخية الفلسطينية التي وسًعت دائرة إستهدافاتها لتطال مدينتي تل أبيب والقدس لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني .
- فشل إستخباراتي وأمني كبير في تقدير القوة الصاروخية لدى فصائل المقاومة حيث فرض التطور النوعي في الرد الفلسطيني معادلات جديدة في توازن الرعب والردع لم يحسب لها الحساب ولم تخطر له في بال بسبب العنجهية والصلف الصهيونيين . وهذا سيكون له تداعيات خطيرة على مستقبل بعض القيادات الأمنية والسياسية . فمن يا ترى سيكون ضحية الإخفاق الإستخباراتي والأمني هذه المرًة ؟ وهل ستقبل القيادات السياسية الصهيونية بهذه الخسارة الصافية ؟ وما هي الخيارات المتاحة لإستعادة الهيبة والدور وقوة الردع اللازمة ؟ وما هي حظوظ الإتصالات والمشاورات الجارية على المستوى الدولي والإقليمي لوقف العدوان وتثبيت هدنة تنهي المواجهة حتى لا تنزلق الأمور إلى " الحرب الإقليمية " ؟ ومن سيفرض شروطه في هذه المواجهة الساخنة إن قدًر لجهود التهدئة أن تنجح ؟ وأسئلة عديدة أخرى..
لا شك بأن الوضع صعب ودقيق وخطير ومفتوح على كافة الإحتمالات نظراً للمعطيات الجديدة المستجدة في إطار الصراع مع العدو . عام 2008 شن العدو الصهيوني عدوانه على قطاع غزة من على المنبر المصري وبمباركة القيادة المصرية آنذاك والتي شكلت كنزاً إستراتيجياً له ، أما الآن فنحن أمام قيادة سياسية جديدة منتخبة من الشعب المصري ولديها خطاب سياسي مختلف كلياً موقفاً وسلوكاً ونهجاً عمًا تعوًدناه منذ عشرات السنين . ونستطيع أن نرصد الإشارات الإيجابية التالية في الموقف المصري من العدوان :
- لهجة تصعيدية في توصيف العدوان وتداعياته الكارثية على عموم المنطقة .
- تأكيد إلتزام مصر الثورة بالقضية الفلسطينية ودعمها للشعب الفلسطيني الذي يجب أن لا يُترك وحيداً .
- فتح معبر رفح الحدودي مع شعب فلسطين .
- طرد السفير الصهيوني في مصر واستدعاء السفير المصري من تل أبيب .
- إرسال رئيس الحكومة المصرية إلى غزة للإعراب عن التضامن والدعم والنصرة في مواجهة العدوان .
- إستضافة إجتماع وزراء خارجية الدول العربية لدراسة الوضع واتخاذ القرارات المسؤولة .
لكن مع تقديرنا وترحيبنا بهذه المؤشرات المشجعة والمأمول منها الخير الكثير ، نرى أن الموقف المصري محكوم بسقوف وحدود لا تمكنًه من تجاوزها والذهاب بعيداً في خطوات عملية ملموسة وقرارات شجاعة . فالوضع الإقتصادي المصري يحتاج إلى هبات وقروض من الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إضافة إلى المساعدات الأمريكية السنوية لمصر ، تشكل كابحاً يلجم أي إندفاعة نحو إتخاذ قرارات جريئة وحاسمة من قبيل إلغاء إتفاقية كمب ديفيد ورفض التطبيع وفك الحصار بشكل نهائي عن قطاع غزة وتقديم الدعم الفعلي للمقاومة .
إن ما نشهده من إتصالات ولقاءات واجتماعات ومؤتمرات ومبادرات عربية وإقليمية ودولية والتي تستهدف في ظاهرها وقف العدوان فقط ، إلاً أنها أقصى ما ترجوه تهدئة مؤقتة ساخنة تنقذ الكيان الصهيوني من المأزق وتخرجه من المستنقع الفلسطيني ، وإعادة الطرفين إلى جولات التفاوض العقيمة على حساب الدم الفلسطيني المراق . والجانب المصري ما زال يلعب دور الوسيط وليس الفاعل في توظيف المتغيرات لصالح تركيم الإنجازات العربية . لكنه الوعد الإلهي بانتصار آخر وحده الرد ولا شيء غير ذلك . والحسابات هذه المرة مختلفة ، والتداعيات أيضاً ستكون مختلفة ، فهل يفهم المتفاوضون طبيعة الصراع وحجم القوة والقدرة والعزم والإصرار والتصميم الفلسطيني على الإنتصار ؟ المعادلات تغيرت والشروط الفلسطينية هي المدخل لأي معالجة جدية ، فالزمن الفلسطيني الآن والآن فقط يرسم مجد الأمة . وعلى الجميع أن يفهم هذا ، والله بعزته وجلاله يقاتل مع شعب فلسطين .....
المحلل السياسي الفلسطيني
علي حمادة
16 / 11 / 2012