الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده أحيا الذكرى الثالثة والستين للنكبة. ففي فلسطين كلِّ فلسطين التاريخية، وفي لبنان، وسورية، ومصر، والأردن كانت الانتفاضة الشعبيةُ عارمةً وصارخةً بوجه الاحتلال الإسرائيلي لإسقاط مفاعيل النكبة، وتعزيز عوامل مقاومة الاحتلال الاستيطاني العنصري، ولا شك أنَّ المصالحة الوطنية التي تمَّ توثيقها شكَّلت إندفاعة وطنية ثورية مميَّزة جعلت من إحياء هذه الذكرى إنطلاقةً جديدةً على طريق العودة الحقيقية. النشاط الميداني للشباب الفلسطيني خاصة في ساحات تحدي الغطرسة الصهيونية كان ملفتاً للجميع، في مارون الراس، وفي الجولان، وفي قلنديا، وفي سلوان، وفي شمال بيت حانون... الخ.
ما جرى يؤكد أن إحياء ذكرى النكبة مستقبلاً، ومفهوم النكبة سيتغيَّر من الآن فصاعداً، لأنَّ الجيل الشاب أصرَّ على إعادة صياغة المفاهيم والمواقف بلغة أخرى تتناسب مع حالة الغطرسة التي تعبِّر عنها حكومة نتنياهو – ليبرمان اليمينية، المصرة على الاستيطان، والتهويد، وممارسة الجريمة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني؛ قتلاً، وتدميراً، واعتقالاً، وحصاراً. إنَّ الاستعداد عند شبابنا الفلسطيني لتقديم الشهداء والجرحي والدم النازف ـ وهذا ليس جديداً عليه ـ في هذه الذكرى يؤكِّد ايمانه بأنَّ التحرير والعودة هي من الثوابت والمقدسات. لقد وصلت الرسالةُ واضحةً بلغة الدم إلى حكومة نتنياهو التي ترفض حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه، وتصرُّ على عدم إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الاراضي المحتلة العام 1967، كما تؤكد أن القدس هي عاصمة الكيان الاسرائيلي. الرسالة تقضي بأنَّ السلام الذي نريده هو سلام الشجعان كما وصفه الشهيد الرمز ياسر عرفات، وانه السلام الذي يعيد الحقوق الوطنية الفلسطينية. بالتأكيد الحسابات الاسرائيلية ستتغيَّر لأنَّ الشعب الفلسطيني مصرٌّ على انتزاع حقوقه التي أقرتها الشرعية الدولية.
الشباب الفلسطيني في حراكه الجاد الذي تجاوز كلَّ الحدود، وكلَّ الحسابات، أثبت عملياً وميدانياً أنَّ الارادة السياسية الوطنية لشعبنا لا تقف أمامها الأسيجة، ولا الأشرطة الشائكة المكهربة وغير المكهربة، وهذا الجيل الشاب ينطلق ومعه رصيد من عشرات الآلاف من الشهداء، والجرحى، والاسرى، والذي يؤهِّله لخوض معركة التحرير والاستقلال، ومواصلة المسيرة الوطنية الكفاحية المشرِّفة.
على الجميع أن يدرك بأن الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا الفلسطيني، وأنّ عجْزَ الامم المتحدة ومؤسساتها الواقعة تحت الضغط الاميركي والاسرائيلي عن تطبيق قراراتها التي تنص على حقنا في تقرير مصيرنا، وحقنا في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس حسب ما ورد في قرار 181 العام 1947، وحقنا أيضاً في العودة إلى الارض التي طردنا منها وهي أرض فلسطين التاريخية، هذا الظلم لن نسمح له أن يستمر، أو أن تستمر معاناة شعبنا المشرَّد والمشتت في بقاع الارض منذ ثلاتة وستين عاماً، وعلى الولايات المتحدة أن تستوعب الحقيقةَ المرة وهي أنَّ الظلم والارهاب يولّد المقاومة، وأنَّ الشعوبَ لا تُقهر، وانَّ الارضَ أغلى من الدم، وأنَّ فلسطين دونها الشهداء والتضحيات فهي أرض المقدسات، وأرض الرباط.
إنَّ الضمانة الحقيقية لمواصلة كفاحنا الوطني من أجل استعادة حقوقنا، ودحر الاحتلال من أراضينا هي الوحدة الوطنية التي تدخل في إطار المقدَّسات كونها تصون دماء شعبنا، وتوحِّد القلوب، وتجعل كلمتنا واحدة. والوحدة الوطنية تعتمد أساساً على المصالحة الفلسطينية.
إنَّ إتمام المصالحة الفلسطينية لا يكون فقط بالتوقيع على الوثيقة من قبل الجميع ـ على أهمية التوقيع ـ لكنَّ الاهم هو أن يكون ذلك نابعاً من قناعات لا تهتز، ومن إيمان مطلق بأن قضية فلسطين، وشعب فلسطين، وشهداء فلسطين، وأسرى فلسطين هم جميعاً فوق المصالح الفصائلية، والأطماع التنظيمية.
المحافظة على استمرارية المصالحة تحتاج إلى قيادات منضبطة أمام التطلعات والمصالح الوطنية العليا، كما تحتاج إلى قيادات تؤمن بالحوار الوطني البنَّاء كوسيلة وحيدة للتفاهم حول التباينات، نحتاج إلى قيادات قادرة على حسم الخيارات عندما يتعلق الأمر بمستقبل القضية الفلسطينية، قياداتٍ مخضرمة في العمل الثوري البعيد عن الانتهازية والوصولية والذاتية، نحتاج إلى قيادات تعمل بوضوح وشفافية، وتحترم القِيَم الأخلاقية، وترفض عملية الابتزاز أو الخضوع عندما يتعلق الموضوع بالمصداقية الوطنية.
باختصار، الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ينتظر أن يرى قيادةً تحترمه، وتحترم أهدافه، وتؤمن أنها جزءٌ لا يتجزَّأ منه. وبعد معاناة الانقسام الشعب الفلسطيني سينفجر بوجه كل من يستهدف المصالحة ويعِّطل مسيرتها
تابين شهداء مسيرة العودة في برلين