غاب القط إلعب يا فأر
علي حمادة
الكاتب والمحلل الفلسطيني
30/3/2013
قطر ليست أكثر من ُقطرة أونقطة صغيرة في قطر دائرة عربية
كبيرة ،إنها مستعمرة أمريكية صهيونية تغطّي تكاليف القواعد الثلاثة المزروعة في
أراضيها ، ولذلك نراها في كل المحطات
والمواقف سواء المتعلقة منها بالأزمة السورية أو غيرها ، تحاول تظهير نفسها وكأنها
الوصي الأحرص على المصير والمستقبل العربي والأكفأ في قيادة الدفة نحو بر الأمان .
فما سر هذه الثقة الزائدة بالنفس يا ترى ؟ ولماذا التعالي والغرور والإستفراد في
فرض رؤياها على الدول المشاركة في قمة الدوحة الأخيرة ؟ وهل لهذه العنجهية
المنفلتة ما يبررها ؟ وماذا لو كانت الظروف مختلفة تماماً و كان العدو الصهيوني هو المعني والمستهدف من
الطموحات القطرية العنترية وليست سوريا ؟ هل كانت ستسلك نفس السلوك الحماسي في فرض
التوجهات اللئيمة والعقوبات المصاحبة لها ؟ ونتساءل ما هي الأهداف الحقيقية لتمويل
الجمعيات الحقوقية والخيرية الراغبة في إرسال مرتزقة أو إرهابيين أو "
مجاهدين " للقتال في سوريا والدفاع عن " الثورة" هناك بحجة الدفاع عن الشعب
السوري وحقوقه ؟ وهل تتحرك قطر بدافع نخوة عربية خالصة أم بمباركة معظم دول العالم
العربي ووفق أجندات خارجية أم بتكليف
مباشر من أولياء الأمر شرط أن لا يؤدي الدعم والإسناد إلى تقوية جماعات سلفية جهادية
تخشى دول الإستعمار الغربي وصولها إلى سدة الحكم بعد سقوط النظام السوري ؟
منذ فترة ليست بعيدة كثيراً ، وبعد سقوط أنظمة الحكم في
مصر وليبيا واليمن، تنهج الحكومة القطرية سياسة ملىء الفراغ وتلعب دوراً إقليمياً
فاعلاً ومشبوهاً يلبي في محصلته النهائية
ألإحتياجات الأمنية والسياسية لحلفائها الأمركان والصهاينة ، والشاهد على ذلك وجود أكبرالقواعد الأمريكية
في المنطقة على أراضيها ( قواعد العديد والسيلية وفالكون ) ، عدا عن الإتفاقات
والتفاهمات السرية حول العديد من القضايا العربية المصيرية .
فالتحالف وثيق بين إدارة أوباما ودويلة قطر الخادم
الأمين للمصالح الأمريكية ،إذ يوجد في أراضيها أضخم قاعدة أمريكية حيث المقر
الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى من العالم والممتدة من آسيا
الوسطى حتى القرن الأفريقي . وقد استخدمت في الحرب على أفغانستان والعراق ، و فيها
أكبر مخازن للأسلحة الأمريكية إذ كانت تمد الكيان الصهيوني بالصواريخ بعد أن نفذت
في العدوان على غزة . ويوجد في القاعدة الآن حوالي 3000 جندي مستنفرين بشكل دائم ،
وغيرها من القواعد العسكرية المنتشرة في السعودية والكويت والبحرين مقابل حماية
أنظمة الخليج وديمومتها وتوفير الإستقرار السياسي والإجتماعي فيها طالما تؤدي
دورها في خدمة المصالح الأمريكية والصهيونية . .
إذ
ما معنى أن تستعجل قطر باسم جميع العربان باستثناء تحفظ الجزائر والعراق وإعلان
لبنان النأي بالنفس ، بتسليم مقعد سورية في مجمّع الأموات وفي منظماتها ومؤسساتها
للإئتلاف السوري المعارض بدافع من الأحقاد الشخصية وإظهار الولاء التام لواشنطن .
وتقود نيابة عن أميركا عملية تمويل وتسليح المعارضة السورية المسلّحة للإطاحة
بالنظام السوري شرط أن لا تصل الأسلحة إلى المنظمات الجهادية المتطرفة ، أو أن
يمتد حريق الأزمة السورية إلى الدول العربية الحليفة .. أميركا تريد إستنزاف سوريا
وتقسيمها وتدميرها يساندها ويساعدها العرب في تسهيل ذلك ؟ بل ويتنافسون
ا لو كان العدو الصهيوني هو الذي يتعرض للحرب الكونية
عليه مثلما هو حاصل في سوريا الآن ؟ هل كان
سيجرؤ الحكام العرب على مجرّد التفكير سراً بالإعتراض ؟ أم أنهم سيتسابقون لدعمه
والدفاع المستميت عنه ؟ صحيح اللي استحوا ماتوا ، وكما قال شاعرنا العظيم مظفر
النواب : " من هان أمر التراب عليه قلامة ظفر فكل التراب يهون " ، فقد
ضيّعوا فلسطين من قبل ، فلماذا تتحرّك كرامتهم إن ضاعت سوريا ؟
وفي لبنان تتصدّر قطر قائمة الدول العربية التي تموّل
وتدعم كافة التحضيرات لتفجير فتنة مذهبية
سنية عبرعميلها الصغير الشيخ أحمد الأسير وغيرها من الأدوات المأجورة مدفوعة الأجر
سلفاً . كل ذلك كرمى عيون " إسرائيل " .
وبالعودة إلى فلسطين قليلاً ، فتاريخ مستعمرة قطر في
التآمر على القضية الفلسطينية يتجذّر في الذاكرة الفلسطينية والأجنّة لا ينسون
سجلّهم المشبوه . ألا تذكرون معي الزيارة السرية التي قام بها أمير قطر إلى الكيان
الصهيوني وإجتماعه ب تسيفي ليفني وعقد سلسلة من الإتفاقات الثنائية معه ، وذلك في أيلول 2008 أي قبل العدوان على قطاع
غزة بقليل ؟ هل تلك كانت زيارة سياحية للتبارك بالأماكن المقدّسة أم زيارة ودّية
للتعرف على طباع بني صهيون وأخلاقهم ؟ أم للتشاور والتنسيق حول سبل تركيع القطاع
وتدجينه حتى يعود إلى بيت الطاعة ؟ ومؤخّراً فقد تبنّت قمة الدوحة قراراً بإنشاء
صندوق لدعم القدس بقيمة مليار دولار يدفع منها أمير قطر لوحده " مشكوراً
" 250 مليون دولار، وتكليف بنك التنمية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي
بالإشراف على الصندوق . ونسأل أين كانت هذه الدولارات " المباركة " يوم
جاعت غزة ؟ ويجوع شعب فلسطين الآن ؟ وما سر هذا السخاء الذي لا يساوي إلاّ الفتات
مما يصرف على تحديث القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة من المحيط إلى الخليج ؟
ولماذا التسرع والإستعجال في تحقيق المصالحة الوطنية التي طال أمد العبث العربي
بها ؟ وقد رأينا كيف تعاملت قطر في دعم القضية الفلسطينية عندما زوّدت غزة ببعض
الدولارات على حساب التنسيق مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، لدعم
جهود المصالحة . تعطي طرف وتتجاهل الطرف الآخر ونعم الدعم يا قطر ! تعمّقين
الإنقسام بحجة إنهائه ، وتبطلين المصالحة بحجة تحقيقها ، إنه العهر السياسي يا قطر
.......لقد غيّبوك يا فلسطين ليبقوا وحدهم في المشهد السياسي ، ولكن عبثاً يحاولون
، ففلسطين هي المنطلق وهي النهاية وبدونها لا سلام ولا استقرار في كل بقاع الأرض .
علي حمادة
الكاتب والمحلل الفلسطيني
30/3/2013