حطت الانتخابات الاسرائيلية للكنيست التاسعة عشرة رحالها، اطاحت بـ(60) عضو كنيست سابقين، وجاءت بغيرهم من تلاوين ومشارب مختلفة لاول مرة.
النتائج حملت تغيرات مهمة في تركيبتها. كما حملت دلالات سياسية وحزبية واجتماعية - اقتصادية ودينية مهمة. اعطت الشيء ونقيضه، وفتحت ابواب الحكومة على مصاريعها امام أحصنة جديدة، ووضعت الساحة السياسية امام العديد من السيناريوهات. أطاحت بأحلام زعماء، ووضعت كرسي رئاسة الوزراء تحت هواة، كانوا حتى الأمس القريب مغمورين.
ابرز النتائج: أولاً هزيمة تكتل «الليكود بيتنا» برئاسة نتنياهو –ليبرمان. هذا التكتل، الذي كان له في الكنيست السابقة (42) مقعدا، لم يحصل في الكنيست الجديدة سوى على (31). ثانيا فوز كاسح لكتلة «هناك مستقبل» برئاسة لبيد الابن، حيث حصل على المكانة الثانية في الكنيست الجديدة بحصوله على (19) مقعدا. وكان فوزه قنبلة من العيار الثقيل لكل الكتل وللشارع الاسرائيلي على حد سواء. ثالثا رغم تجاوز كاديما نسبة الحسم وحصوله على مقعدين، غير ان شمسه غابت، وبقاءه على المسرح ليس ذا شأن، مع انه قد يكون في لحظة ما «بيضة القبان» بالنسبة لزعيم الليكود او زعيم «هناك مستقبل» في تشكيل الحكومة الجديدة. رابعا التعادل بين كتل اليمين واليمين المتطرف والاحزاب الدينية من جهة، وبين احزاب اليسار والوسط والقوائم العربية. حيث حصل كل تيار على ستين مقعدا. الامر الذي افقد كلا التيارين القدرة على تشكيل الحكومة بأريحية. وهو ما دعا نتنياهو لان يخطب ود لبيد مباشرة، ودعوته لتوسيع قاعدة تشكيل الحكومة. خامسا عدم تمكن قائمة أريه الداد وميخائيل بن آري من الوصول نسبة الحسم، وهي القائمة الاكثر تطرفا.
المعطيات الواردة اعلاه، لها دلالات حزبية وسياسية وحكومية، ولها انعكاسات على مناحي الحياة الاسرائيلية، منها:
أولاً الكنيست الحالي بتركيبته قد لا يستمر لاكثر من عام او عام ونصف لغياب إمكانية تشكيل حكومة قوية وراسخة إلا في حال حصول تطورات دراماتيكية داخل القوى المكونة لها. ثانيا رغم ان تكتل «الليكود بيتنا» حصل على المركز الاول، غير انه ليس بالضرورة ان يتمكن نتنياهو من قيادة الحكومة المقبلة. لان قاعدته من اليمين المتطرف والاحزاب الدينية، لا تؤهله لقيادة حكومة قادرة على الصمود، كما ان توسيع قاعدة الحكومة بدخول يائير لبيد الى الائتلاف، سيعمق الخلافات بين القوى المشكلة منها، خاصة اذا ما ضمت حزب شاس، الذي يرفض قانون «العبء المتساوي»، ويصر عليه حزب «هناك مستقبل» فضلا عن تباينات مختلفة بين القوى الاخرى. ثالثا الهزيمة، التي نزلت على رأس نتنياهو – ليبرمان، ستكون كفيلة بتفكيك أواصر الائتلاف المذكور، لا سيما وان هناك قوى داخل الليكود نادت بفك هذا الائتلاف اثناء الحملة الانتخابية. رابعا هناك امكانية كبيرة لان يشكل لبيد الحكومة المقبلة، في حال تم التوافق بين قوى اليسار والوسط والقوائم العربية، لانها اقرب لبعضها البعض من تيار اليمين والحريديم. خامسا الواقع الجديد في الكنيست سيفتح الافق للقبول المبدئي للمبادرة الاوروبية ولو على مضض في حال شكل نتنياهو الحكومة، ولكن سيقبلها ليبدد الآمال بتنفيذها. سادسا اظهر الشارع الاسرائيلي بالنتائج التي افرزها حالة ضبابية تجاه عملية السلام، وغموضاً تجاه الاستيطان، لأنه بقدر ما اعطى اليسار من نتائج نسبيا ايجابية، حيث تضاعفت قوة ميرتس، كما اعطى لحزب الحركة الجديد ستة مقاعد، واعطى القوائم العربية مجتمعة اثني عشر مقعدا، وهذا كان مهما بالمعايير النسبية، لكنه اعطى ايضا لحزب بينت «البيت اليهودي»، الذي تضاعفت قوته.
الحكومة المقبلة سيتغير برنامجها شاء نتنياهو أم أبى، وستعطي القضايا الاجتماعية والاقتصادية جل اهتمامها، ولن تكون بمنأى عن التساوق مع خيار السلام حتى ولو كان ذلك تكتيكيا. ولا تتمكن الكنيست الجديدة من سن قوانين عنصرية أسوة بما سنته في الكنيست السابقة، لان التوازن بين القوى اليمينية – الحريدية وبين اليسار والوسط والعرب سيحول دون ذلك، إلا في حال تمكن اليمين من استقطاب القوى الوسطية.
نعم هزم نتنياهو شر هزيمة، وأخذ نجمه في الأفول على الاقل لحين، وحتى لو شكل الحكومة. ولكن لم ينجح البديل. لا يوجد قائد كايرزمي من اليسار او الوسط، ويائير لبيد على ما حققه من نتائج مبهرة، لكنه لا يبدو قادرا على تشكيل الزعيم البديل. وهناك نماذج شبيهة بيائير في التاريخ الاسرائيلي مثل يادلين وغيره في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، لكنهم لم يفلحوا في تبوؤ مكانة الزعيم، الذي يركن اليه. لكن المستقبل المنظور يحمل في طياته تطورات عديدة، قد تعلم المراقبين جميعا دروسا لم يعهدوها في التجربة السياسية والحزبية الاسرائيلية.