خطة كيري:
في ظل الرغبة الأمريكية في حدوث اختراق لإنهاء الصراع، اقترح كيري على الفلسطينيين وإسرائيل "بعض الأفكار" بخصوص الترتيبات الأمنية المتعلقة بقيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967، تسمح بتمركز جنود إسرائيليين على الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية لمدة عشر سنوات. إلا أن الجانب الفلسطيني رفض احتفاظ إسرائيل بقوات أمنية في منطقة غور الأردن، والتي تمثل نحو 26% من مساحة الضفة الغربية، ولكنه رحب بوجود قوات أمريكية. وعلى جانب آخر، تحرص إسرائيل على بقاء قواتها في هذه المنطقة لمنع دخول أسلحة ومسلحين إلى الضفة الغربية.
وكانت المحادثات المباشرة قد استؤنفت بين الطرفين في شهر يوليو 2013، بعد توقف دام ثلاث سنوات، بهدف التوصل إلى اتفاق في مدة زمنية أقصاها تسعة شهور، وقد استجابت إسرائيل لمطلب واحد من المطالب الفلسطينية، وهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين قبل اتفاق أوسلو عام 1993 على أربع مراحل، حيث أفرجت في هذا السياق عن الدفعة الثالثة والتي تتكون من 26 سجينًا فلسطينيًا في 31 ديسمبر 2013، وتشمل تلك المطالب أيضًا الاعتراف بحدود عام 1967 كمرجعية واضحة للعملية السلمية ووقف الاستيطان.
إلى جانب ذلك، كانت مصادر إسرائيلية قد أكدت أن الجانب الأمريكي اقترح إقامة معابر حدودية مشتركة، مع انتشار محدود للقوات الإسرائيلية وتوفير غطاء دفاعي لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة. ويتوقع، وفقًا لاتجاهات عديدة، أن يطرح كيري في زيارته المقبلة اتفاق "إطار" جديدًا مع إدخال بعض التعديلات على الخطة الأمنية. وقد نشرت تسريبات عن اقتراح إسرائيلي مفاده أن يكون مسار الجدار الفاصل بدلا من حدود عام 1967 هو الأساس لانطلاق المحادثات، إلى جانب وجود عسكري إسرائيلي بغور الأردن.
متغيرات رئيسية:
ثمة ثلاثة متغيرات رئيسية سوف تؤثر، بشكل أو بآخر، على مستقبل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. يتمثل المتغير الأول في موقف الحكومة الإسرائيلية، حيث أن هناك انقسامًا في وجهات النظر داخل الائتلاف الحاكم، ففي حين أقرت لجنة وزارية إسرائيلية مقترحًا يقضي بضم منطقة غور الأردن بالضفة الغربية إلى إسرائيل، عارضت تسيبي ليفني وزيرة العدل ومسئولة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين هذا المقترح، وهددت بعرقلة التصويت عليه في الكنيست.
وبينما حث يائير لابيد رئيس حزب "يش عتيد" (هناك مستقبل) حكومة بنيامين نتنياهو، في 8 ديسمبر 2013، على إبداء "شجاعة تاريخية" والتوصل إلي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، طالب "البيت اليهودي" بإخراج "يش عتيد" من الائتلاف، بسبب مواقفه من ضرورة التوصل إلى اتفاق، يعتبره تهديدًا لأمن إسرائيل.
وينصرف المتغير الثاني إلى عدم ثقة الأطراف الفلسطينية في المفاوض الإسرائيلي، حيث هاجمت غالبية الفصائل استمرار المفاوضات، وأهمها حركة "حماس" التي أبدت علي لسان سامي أبو زهري الناطق باسمها، في 28 ديسمبر 2013، رفضها للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في هذه المرحلة، بسبب استمرار الاستيطان وسياسة التهويد. كما عبر صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين عن "شكوكه" تجاه إمكانية استكمال الاتفاق كما هو مخطط له في أبريل 2014.
ويتعلق المتغير الثالث بالرغبة الأمريكية في إحداث اختراق مهم في عملية التسوية، وبالتالي ليس مستبعدًا أن تضغط واشنطن على إسرائيل للتوصل إلى اتفاقية ترضي الطرفين، لا سيما بعد رفض الطرف الفلسطيني وكذلك جامعة الدول العربية الخطة الأمنية. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد حث، في 21 مارس 2013، على تأسيس دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة viable stateوتتمتع بحق تقرير المصير، وبالأمن وبالسلام.
سيناريوهات محتملة:
يمكن القول، إن الوصول إلى اتفاقية دائمة خاصة بالدولة الفلسطينية، هو هدف استراتيجي ترغب الإدارة الأمريكية في تحقيقه في عام 2014، ليصبح هذا العام هو عام حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي دام لعقود طويلة وفشلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تحقيقه، حيث اهتم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، منذ وصوله إلي البيت الأبيض، بالصراع، وعمل على ممارسة ضغوط على الجانبين للدخول في مفاوضات جديدة.
وفي هذا السياق، يمكن تحديد ثلاثة سيناريوهات محتملة لما ستنتهي إليه الجهود الأمريكية. ينصرف السيناريو الأول إلى صياغة اتفاقية مرحلية ثانية، ربما على غرار أوسلو، تفضي إلى حل الدولتين، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في 13 ديسمبر 2013، علي أن إسرائيل والفلسطينيين لا يزالون ملتزمين بالجدول الزمني المستهدف للتوصل إلى اتفاق سلام كامل بنهاية أبريل 2014. كما صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في 7 ديسمبر 2013، بأنه "من الممكن خلال الأشهر المقبلة التوصل لإطار عمل يجعلنا نصل لنقطة يدرك فيها الجميع أن التحرك للأمام أفضل من الرجوع للخلف".
ووفقًا لهذا السيناريو، قد يتم التوصل إلى إطار مشترك حول الترسيم الدقيق للحدود وربما إعلان انتهاء النزاع، وهو أمر ترغب فيه السلطة الفلسطينية، وهذه الاتفاقية قد تكون مشابهة لمحادثات أوسلو التي حققت أولى خطوات عملية السلام، من خلال الاعتراف المتبادل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وشكلت "انفراجة" تاريخية من خلال التزام منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني.
ويتمثل السيناريو الثاني في أن تتوج هذه الجهود بعقد مؤتمر دولي شبيه بمؤتمر "أنابولس" للسلام عام 2007، ليعيد إحياء المبادرات السابقة الخاصة بحل الصراع، مثل مبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق، التي سعي المؤتمر إلي تفعيلها. بينما يتعلق السيناريو الثالثبفشل هذه الجهود، ولجوء الفلسطينيين إلى ممارسة الضغوط على الإدارة الأمريكية، من خلال التحرك في المنظمات الدولية للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية، وكانت منظمة اليونسكو قد قررت تعليق حق الولايات المتحدة وإسرائيل في التصويت، نتيجة لامتناعهم عن دفع المستحقات المالية بسبب قرار المنظمة منح الفلسطينيين العضوية الكاملة، وهي الخطوة التي اعتبرتها مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس بـ "المخجلة".
ومن المرجح أيضًا، في إطار هذا السيناريو، أن تصعد السلطة الوطنية الفلسطينية قضيتها مرة أخرى إلى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، وهو الأمر الذي قد يزيد من عزلة إسرائيل خاصة بعد تهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية عليها، وتحميلها مسئولية فشل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، في حالة إعلان بناء وحدات استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية.
وربما يكون السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحًا بالنظر إلى المتغيرات الثلاثة السابقة، وفي حال تحققه، فإن فرص تسوية الصراع وقيام الدولة الفلسطينية، ستظل مرتبطة بوجود نخب فلسطينية وإسرائيلية جديدة، تدرك أن توقيت تقديم التنازلات لتأسيس هذه الدولة، قد حان.
(*) باحثة بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية