|
|
رغم أن حماس كانت اول تنظيم إخواني ـ أسلامي، يصل الى الحكم في المنطقة العربية، إلا أن الحكم الأخواني في مصر ونظام حكم النهضة في تونس بات يدل كثيرا على طبيعة النظام السياسي الذي يقود العرب إليه " الإسلاميون" في المنطقة، وذلك لأكثر من سبب، أهمها أن وصول الأسلاميين الى الحكم في كلا البلدين كان عقب ثورة بيضاء _ تقريبا، ثم ان تونس ومصر على التوالي كانتا اول دولتين يتم فيهما إسقاط نظام حكم الفرد.
أقل ما يمكن ان يقال في نظام الحكم الإخواني: إنه لا يميّز بين الاستناد في الحكم الى الأغلبية والإجماع، ذلك أن ما يتعلق بأسس الدولة من دستور والفصل بين السلطات لا يمكن الذهاب أليه وفق قاعدة الأغلبية، ولابد من الحرص على اخراج الجيش والقضاء من دائرة السلطة التنفيذية، لذا فإن السماح لبعص عناصر الجيش والشرطة بالالتحاء _ مثلا، ليس أمرا شكليا ولا هو حرية شخصية، والأهم هو أن لا النهضة ولا الإخوان ولا حماس وصلوا الى الحكم بعد مشاركة سابقة في الحكم، وقلما تواجدوا بأعداد غير مؤثرة في البرلمانات السابقة .
حماس وصلت للحكم بعد اول انتخابات تشارك فيها، كذلك النهضة، وتقريبا كان الأمر مشابها لإخوان لمصر، اي أن هؤلاء افتقدوا لتجربة الحكم، وجاؤوا من الصفوف الخلفية، ومن صفوف المعارضة التي لم يسبق لها وأن شاركت في الحكم، وغالبا من تحت الأرض، حيث كانت تنظم صفوفها وتعد برامجها بشكل سري .
لذا، فإن مستويات واضحة من الأداء المرتجل الذي يصل أحيانا الى مستوى المراهقة السياسية يظهر في أدائهم، وإلا كيف يمكن لنا وصف ردة فعل حماس على ما حدث في ندوة سياسية شارك فيها بعض أعضائها، وكان منهم رئيس المجلس التشريعي المنتهية ولايته عزيز الدويك، والتي وصلت الى حد تأجيل لقاء القاهرة الذي كان مقررا غدا الأربعاء، إضافة للمطالبة المضحكة بأن يقرروا لفتح من تختاره حتى يتباحث معهم في لقاءات المصالحة !
يصبح الأمر غير قابل للأحتمال حين يقترن بلحظة فارقة يعيشها الشعب الفلسطيني الآن، وهو على أبواب أنتفاضة جديدة , ترتعد لها فرائص الإسرائيليين، وأقل ما يمكن أن يستحقه الشهداء / الأحياء , من الأسرى الأبطال , الذين يسطرون ملحمة البطولة الآن، ويعيدون الاعتبار للكفاح الوطني الفلسطيني بتقديم ارواحهم فداء للوطن أن يهب كل الشعب الفلسطيني , تضامنا معهم، وحيث اقل ما يمكن ان يقدم عليه من يتحكمون بمقاليد الأمر , هو الأعلان الفوري عن انهاء الأنقسام .
ثم تتضاعف مستويات المفارقة بعد أن قمنا بأنتقاد موقف الحركة غير المتفاعل مع حالة الغليان الشعبي حين نرى التمييز الذي تمارسه بين أسرى محسوبين عليها وآخرين محسوبين على غيرها، وكأن حسابات التنظيم هي غير حسابات الوطن , ولعل هذا هو درس الحكم الأهم , الذي يوحي بان هذة الحركات السياسية من الصعب عليها أن تحكم الوطن بأسره , وهي اعجز عن حكم الدول , لذا تسعى الى أخونتها حتى تصبح الدولة , أشبه بالحركة السياسية , بدل ان تتغير الحركة , حتى تصبح حركة وطنية , لذا طالب البعض مبكرا بتوطين الإخوان بدلا من أخونة الوطن!.
هذة هي العقدة التي تواجه الفلسطينيين والمصريين والتوانسة الآن، بعد ان تسلم مقاليد الحكم في غزة ومصر وتونس تنظيمات إخوانية، لذا فأن مصر لن تهدأ وستستمر الثورة فيها , كذلك تونس , فيما الفلسطينيون الان على أبواب أنتفاضة , هي الثالثة بالطبع , وكأن _ كما أشارت بعض وسائل الأعلام _ أن الفلسطينيين على موعد كل 13 سنة مع انتفاضة جديدة، لابد لهم ان يطلقوا الآن أنتفاضة مختلفة قليلا عن الانتفاضتين السابقتين، ليس وفق مواصفات بعض القادة الذين يرون فيها مجرد اداة ضغط , لتحسين شروط التفاوض، ولكن وبالنظر الى أن الأنتفاضة الأولى كانت شعبية تماما، والثانية كانت مسلحة، فإن هذة قد تكون شعبية وسلمية او تجمع الأشكال كلها، ولكن المهم وما نتوقعه نحن هو أنها , لن تقتصر على الضفة الغربية فقط , بل ستشمل غزة والشتات أيضا , كذلك ورغم انها ستكون موجهة الى الأحتلال بالأساس , إلا أنها ستوجه بعضا من جهدها للداخل , فليس أقل من إسقاط الانقسام، ومن فرض أولوية الوطني على الحزبي , والفلسطينية على العقائدية , وبالتأكيد فأنها ستفرض تغييرا على محتوى وجوهر القوى السياسية القائمة وعلى تركيباتها القيادية , التي لم تكن على مدار السنوات الماضية , بمستوى تضحيات وبطولات الشعب الذي ما زال يجترح المعجزات منذ اكثر من ستين عاما .
Rajab22@hotmail.com
|